محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (80)

[ 80 ] { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ( 80 ) } .

وقوله تعالى : { وحاجه قومه } أي جادلوه ، وأرادوا مغالبته بالحجة ، فيما ذهب إليه من توحيد الله ، ونفي الشركاء عنه ، تارة بأدلة فاسدة ، واقفة في حضيض التقليد ، وأخرى بالتخويف ، وقد أشير إلى جواب كل منهما . { قال أتحاجوني في الله وقد هدان } أي : أتجادلونني في توحيده ، وقد هداني لإقامة الحجج ، ورفع الشبه على نفي إلهية ما سواه ، / وقد ثبت أنها ناقصة في ذواتها ، فكمالاتها من غيرها ، ولا إلهية للناقص بالذات ، لأن كماله لا يكون مطلقا . و { تحاجوني } بإدغام نون الجمع في نون الوقاية ، وقرئ بحذف الأولى .

وقوله تعالى : { ولا أخاف ما تشركون به } أي : لا أخاف معبوداتكم ، لأنها جمادات لا تضر بنفسها ولا تنفع ، وهو جواب عما خوفوه عليه الصلاة والسلام في أثناء المحاجة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم ، كما قال لهود عليه السلام قومه : { إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء }{[3535]} . وتخويفهم ، وإن لم يسبق له ذكر ، لكنه فهم من قوله : { ولا أخاف } .

وقال ابن كثير : أي ومن الدليل على بطلان قولكم ؛ إن هذه المعبودات لا تؤثر شيئا ، وأنا لا أخافها ولا أباليها ، فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظرون . انتهى .

{ إلا أن يشاء ربي شيئا } أي : من إصابة مكروه بي من جهتها ، وذلك إنما هو من جهته تعالى ، من غير دخل لمعبوداتكم فيه أصلا .

وفي ( الانتصاف ) : غاية خوف إبراهيم منها ، المعلق على مشيئة الله تعالى لذلك ، خوف الضرر عندها بقدرة الله تعالى ، / لا بها ، وكأنه في الحقيقة لم يخف إلا من الله ، لأن الخوف الذي أثبته منها معلق بمشيئة الله وقدرته ، وهو كلا خوف منها – والله أعلم- .

وقوله تعالى : { وسع ربي كل شيء علما } كأنه علة الاستثناء ، أي : أحاط بكل شيء علما . فلا يبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها ، أي : كرجمه بالنجوم . لأنه إذا أحيل شيء إلى علم الله ، أشعر بجواز وقوعه . وفي الإظهار في موضع الإضمار ، مع التعرض لعنوان الربوبية ، إظهار منه عليه الصلاة والسلام لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى ، واستسلام لأمره ، واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته .

/ هذا ، وجعل المهايمي ذلك علة لاستدراك محذوف ، لعلمه من المقام ، حيث قال في الآية : ولا أخاف الضرر على نفسي من تأثير ما تشركون به ، إلا أن يشاء ربي أن يجعل لهم شيئا من التأثير . لكنه لا يشاء في شأني ، لأنه : { وسع ربي كل شيء علما } فعلم أنه لو أوجد التأثير فيهم بما يضرون به من بعثه لتوحيده ، صار محجوبا . انتهى . - والأول أقرب- .

{ أفلا تتذكرون } أي : تعتبرن بأن هذه المعبودات جمادات ، لا تضر ولا تنفع ، وأن النافع الضار هو الذي خلق السماوات والأرض .


[3535]:- [11/ هود/ ] {قال إني أشهد الله واشهدوا إني بريء مما تشركون (54)}.