التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

فإليه تجأرون : إليه ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والدعاء .

{ *وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون 51 وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا 1 أفغير الله تتقون 52 وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون 2 53 ثم إذا كشف الضر عنكم إذ فريق منكم بربهم يشركون 54 ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون 55 } [ 51-55 ] .

الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين . واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره ، وقرر إنما الإله واحد ، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده . فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره ، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم ، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر . وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين ، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر . وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء . فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم ، فليتمتعوا قليلا بذلك ، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود .

والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا ، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم ، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر ، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار ، ويمسهم الضر ، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر . وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها . وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى . وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء ، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه ، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا .

وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين ، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات . فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله ، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة ، واليهود كانوا موحدين ، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير ، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه : { وقالت اليهود عزير ابن الله } [ 30 ] ، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك .