السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

ولما بيّن تعالى أنّ الواجب على العاقل أن لا يتقي غير الله ، بيّن أنه يجب عليه أن لا يشكر أحداً إلا الله تعالى بقوله تعالى : { وما بكم من نعمة } أي : من نعمة الإسلام وصحة الأبدان وسعة في الأرزاق ، وكل ما أعطاكم من مال أو ولد أو جاه { فمن الله } ، هو المتفضل على عباده ، فيجب عليكم شكره على جميع إنعامه ؛ لأنّ الشكر إنما يجب على النعمة ، فثبت بهذا أنّ العاقل يجب عليه أن لا يخاف ، وأن لا يشكر إلا الله تعالى .

تنبيه : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنّ الإيمان حصل بخلق الله فقالوا : الإيمان نعمة ، وكل نعمة فمن الله ، ينتج أنّ الإيمان من الله ، وأيضاً النعمة عبارة عن كل ما يكون منتفعاً به ، وأعظم الأشياء في النفع هو الإيمان ، فثبت أنّ الإيمان نعمة ، والمسلمون مطبقون على قولهم الحمد لله على نعمة الإيمان . والنعم إمّا دينية وإمّا دنيوية . أمّا النعم الدينية ، فهي إمّا معرفة الحق لذاته ، وإمّا معرفة الخير لأجل العمل به . والنعم الدنيوية إمّا نفسانية ، وإمّا بدنية ، وإمّا خارجية ، وكل واحد من هذه الثلاثة جنس ، تحته أنواع خارجة عن الحصر . كما قال تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [ إبراهيم ، 34 ] وقد مرّت الإشارة إلى ذلك عند ذكر هذه الآية .

ولما كان إخلاصهم له مع ادعائهم ألوهية غيره أمراً مستبعداً ، عبر بأداة التراخي والبعد في قوله تعالى : { ثم إذا مسكم } أي : أصابكم أدنى مس . { الضّرّ } بزوال نعمة مما أنعم به عليكم . وقال ابن عباس : يريد الأسقام والأمراض والحاجة . { فإليه } أي : لا إلى غيره { تجأرون } أي : ترفعون أصواتكم بالاستغاثة ، لما ركز في فطرتكم الأوّلية السليمة من أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه .