فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ( 53 ) }

ثم امتن سبحانه عليهم بأن جميع ما هم متقلبون فيه من النعم هو منه لا من غيره ، فقال : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } ، أي : ما يلابسكم من النعم على اختلاف أنواعها فهي منة سبحانه ، والنعمة إما دينية ، وهي معرفة الحق لذاته ، ومعرفة الخير لأجل العمل به . و إما دنيوية نفسانية ، أو بدنية ، أو خارجية ، كالسعادات المالية وغيرها ، وكل واحدة من هذه جنس تحته أنواع لا حصر لها ، والكل من الله سبحانه . فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه ، وما موصولة متضمنة لمعنى الشرط ؛ باعتبار الإخبار دون الحصول ، والفاء زائدة أو شرطية ، وإليه نحا الفراء وتبعه الحوفي وأبو البقاء .

ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه في بحر النعم فقال : { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ } ، أي : الشدة والأمراض والأسقام ، أو أي ضر كان ، والضر : المرض والبلاء والحاجة والقحط ، وكل ما يتضرر به الإنسان . { فَإِلَيْهِ } سبحانه لا إلى غيره { تَجْأَرُونَ } ، تتضرعون وتستغيثون وتضجون في كشفه ، فلا كاشف له إلا هو ، يقال : جأر يجأر جؤورا : إذا رفع صوته بالدعاء في تضرع .

قال مجاهد : تتضرعون بالدعاء ، وقال السدي : تضجون بالدعاء ، وفي القاموس : جأر يجأر وجؤارا بوزن غراب : رفع صوته بالدعاء ، وتضرع واستغاث ، والبقرة والثور صاحا ، والنبات طال ، والأرض طال نبتها .