تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ} (53)

51

المفردات :

تجئرون : تتضرعون لكشفه ، وأصل الجؤار : صياح الوحش ، ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة .

التفسير :

{ وما بكم37 من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون } .

نعم الله تعالى في هذا الكون لا تحصى ، وأفضاله لا تستقصى ، فنعمة الخلق ونعمة الرزق ، ونعمة الهداية ، ونعم النسل والذرية ، ونعمة راحة البال ، وغير ذلك من وجود الطعام والماء والصحة ، والسمع والبصر ، والخلق والإماتة ، والبعث والجزاء ، كلها أنعم متعددة ، كما قال سبحانه وتعالى : { وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها } . ( إبراهيم : 34 ) .

وكلمة : { نعمة } مفردة يراد بها : الجمع ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع اعتمادا على القرينة من أبلغ الأساليب الكلامية ، تقول : ألقى فلان كلمة بليغة ، والمراد : أنه ألقى خطبة أو حديثا ، قال ابن مالك : . . . وكلمة بها كلام قد يؤمّ .

وإذا كانت النعم كلها من الله تعالى ؛ فقد وجب على العبد أن يشكره ويطيعه ، ولا يقترف ما نهى عنه ، وفي الحديث الشريف : ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم ، وأحبوني بحب الله ) .

{ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } .

تصور هذه الآية طبيعة البشر ، فهم يرون آثار نعم الله عليهم ، في الشدة والرخاء ، لكنهم لا يلجئون إلى الله تعالى ، إلا إذا أصابهم المكروه ، أو نزلت بهم نازلة يعجزون عن حلها أو احتمالها ، فتراهم في الشدائد يجأرون بالدعاء ، ويرفعون أكف الضراعة والنداء ، راجين أن يرفع الله عنهم ما نزل بهم ، فإذا كشف الله عنهم الكرب ، وأزال الضر ، استرخى دعاؤهم ، وعادوا إلى دنياهم ، وقليل منهم من يذكر الله في النعماء ، كما يذكره في الضراء ، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم .

قال تعالى : { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين* فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق . . . } . ( يونس : 23 ، 22 ) .

وقال تعالى : { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } . ( فصلت : 51 ) .

وقال سبحانه وتعالى : { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } . ( يونس : 12 ) .