التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 104 ) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( 105 ) } . [ 104 105 ] .

الخطاب في الآيات موجه إلى المسلمين . وقد أمرتهم الآية الأولى بأن يكون منهم دائما جماعة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وحيث نهتهم الثانية عن احتذاء سيرة الذين من قبلهم الذين اختلفوا وتفرقوا بعد أن جاءتهم آيات الله وبيناته ووضحت لهم طريق الحق والباطل والهدى والضلال ، فالذين يفعلون بما أمرت الآية الأولى هم الناجون المفلحون والذين يفعلون ما نهت عنه الثانية لهم عذاب الله العظيم .

تعليق على الآية

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ . . . } إلخ

والآية التالية لها

يروي الطبري أن هاتين الآيتين نزلتا مع الآيات السابقة لها في المناسبة التي روتها الروايات . ولا مانع من صحة الرواية . وقد جاءتا معقبة على ما قبلها لبيان ما هو الأوجب على المسلمين والأولى بهم والأصلح والأنفع لهم ولبيان الخطر العظيم الذي ينتج عن تفرقهم واختلافهم .

ولقد احتوت الآيتان تلقينات ومبادئ جليلة شاملة لكل ظرف ومكان حيث توجب على المسلمين بأسلوب حاسم وفرضي أن يكون بينهم دائما جماعة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأن يحافظوا على الروابط الأخوية فيما بينهم فلا يتفرقوا كما تفرق من قبلهم ، وأن يستمسكوا بهدي دينهم الواضح فلا يختلفوا فيه كما اختلف من قبلهم .

والواجبات الثلاث التي احتوتها الآية الأولى مطلقة وعامة المدى لتكون كما هو المتبادر متسقة مع جميع الظروف والأمكنة والأدوار والأطوار . وهي ( الدعوة ) إلى كل ما فيه برّ وعدل وحقّ وإحسان ونفع وتعاون ، وهذا ما تشمله كلمة الخير . ( والأمر ) بكل ما عرف أن فيه صلاح المجتمع وقوامه وحياته وصلاح الأفراد وقوامهم وحياتهم . ( والنهي ) عن كل ما عرف أن فيه فساد المجتمع وضرره وفساد الأفراد وضررهم .

وواضح أن هذه الواجبات أو المبادئ من أجل المبادئ والواجبات التي من شأنها حفظ كيان المجتمع الذي يسير عليها قويا سعيدا صالحا متعاونا على البرّ والتقوى والفضيلة ومكارم الأخلاق خاليا من الشرّ والبغي والظلم والإثم والفواحش . والمبادئ والواجبات المنطوية فيها واسعة المدى تتناول عشرات المواضيع الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية والإصلاحية سلفا وإيجابا . وتكون الآيات بذلك منبع قوة لا ينضب للنشاط في شتى وجوه الإصلاح والاجتماع والأخلاق والتكافل .

ومن الجدير بالتنبيه أن هذه المبادئ والواجبات لا ترد في القرآن هنا لأول مرة .

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكرا لأول مرة في آية سورة الأعراف [ 157 ] كبيان لمحتوى رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصفة من صفاته ثم ذكر كصفات من صفات المؤمنين في آية سورة الحج [ 40 ] .

والأمر بفعل الخير والتنويه بفاعليه والتنديد بمعانيه ورد في سور عديدة منها سور ( القلم ) و( ق ) و( الحج ) .

والنهي عن التفرقة جاء في الآيات التي سبقت هذه الآيات وفي آيات سورة الأنعام [ 153 و159 ] .

ولقد شرحنا مدى الموضوع الأول وأوردنا ما ورد فيه من أحاديث وأقوال وما عنّ لنا عليه من تعليق في سياق آية سورة الأعراف كما شرحنا مدى الموضوع التالي ، وأوردنا ما فيه من أحاديث وما عنّ لنا عليه من تعليق في سياق تفسير سور القلم وق والحج ، وشرحنا مدى الموضوع الثالث ، وأوردنا ما فيه من أحاديث وما عنّ لنا عليه من تعليق في سياق الآيات التي سبقت هذه الآيات وآيات سورة الأنعام فنكتفي بهذا التنبيه ليرجع إلى ذلك .