إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

{ وَلاَ تَكُونُوا كالذين تَفَرَّقُوا } هم أهلُ الكتابين حيث تفرقت اليهودُ فِرَقاً والنصارى فِرَقاً { واختلفوا } باستخراج التأويلاتِ الزائغةِ وكتمِ الآياتِ الناطقةِ وتحريفِها بما أخلدوا إليه من حُطام الدنيا الدنيئة { مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ البينات } أي الآياتُ الواضحةُ المبينةُ للحق للاتفاق عليه واتحادِ الكلمة ، فالنهيُ متوجهٌ إلى المتصدِّين للدعوة أصالةً وإلى أعقابهم تَبَعاً ، ويجوز تعميمُ الموصولِ للمختلِفين من الأمم السالفةِ المشارِ إليهم بقوله عز وجل : { وَمَا اختلف فِيهِ إِلاَّ الذين أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات } وقيل : هم المبتدِعة من هذه الأمة ، وقيل : هم الحرَورية وعلى كل تقدير فالمنهيُّ عنه إنما هو الاختلافُ في الأصول دون الفروعِ إلا أن يكون مخالفاً للنصوص البيِّنة أو الإجماعِ لقوله عليه الصلاة والسلام : «اختلافُ أمتي رحمةٌ » وقولِه عليه السلام : «من اجتهد فأصاب فله أجرانِ ومن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ » . { وَأُوْلئِكَ } إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافِهم بما في حيز الصلة وهو مبتدأٌ وقولُه تعالى : { لَهُمْ } خبرُه وقوله تعالى : { عَذَابٌ عظِيمٌ } مرتفع بالظرف على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ ، أو مبتدأٌ والظرفُ خبرُه والجملة خبر للمبتدأ الأول . وفيه من التأكيد والمبالغةِ في وعيد المتفرِّقين والتشديدِ في تهديدِ المشبَّهين بهم ما لا يخفي .