لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

قوله عز وجل : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } يعني ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تفرقوا يعني أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى في قول أكثر المفسرين واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه ، وقيل تفرقوا واختلفوا بمعنى واحد وإنما ذكرهما للتأكيد وقيل تفرقوا بسبب العداوة واتباع الهوى واختلفوا في دين الله فصاروا فرقاً مختلفين قال الربيع في هذه الآية : هم أهل الكتاب نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا أو يختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب . وقال ابن عباس : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في الدين . وقال بعضهم : هم المبتدعة من هذه الأمة وقال أبو أمامة : هم الحرورية : قال عبد الله بن شداد : وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية على درج جامع دمشق فذرفت عيناه ثم قال : كلاب أهل النار وكانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم ، شر قتيل تحت أديم السماء ، وخير قتيل تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء قلت فما شأنك دمعت عيناك قال رحمة لهم كانوا من أهل الإسلام فكفروا بعد إيمانهم ثم أخذ بيدي وقال : إن بأرضي منهم كثير وفي رواية ثم قرأ بعد قوله : { فكفروا بعد إيمانهم ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } إلى قوله : { أكفرتم بعد إيمانكم } ورواه الترمذي عن أبي غالب قال رأى أبو أمامة : رؤوساً منصوبة على درج دمشق فقال أبو أمامة كلاب أهل النار شر قتلي تحت أديم السماء خير قتلي من قتلوه ثم قرأ : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } إلى آخر الآية قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاث مرات أو أربع مرات حتى عد سبعاً ما حدثتكموه وقال فيه هذا حسن وقوله تعالى : { من بعد ما جاءهم البينات } يعني الحجج الواضحات فعلموها ثم خالفوها وإنما قال جاءهم ولم يقل جاءتهم لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل في التقديم تشبيهاً بعلامة التثنية والجمع { وأولئك لهم عذاب عظيم } يعني لهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا لهم عذاب عظيم في الآخرة وفيه زجر عظيم للمؤمنين عن التفرق والخلاف عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " أخرجه أبو داود . أراد بربقة الإسلام عقد الإسلام وأصله أن الربق حبل فيه عدة عرا يشد بها الغنم الواحدة من العري ربقة . وروى البغوي بسنده عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد " بحبوحة الجنة وسطها والفذ هو الواحد .