التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) يحذر الله عباده المؤمنين في هذا البيان البليغ تحذيرا شديدا أن يكونوا كالذين خلوا من قبلكم وهم أهل الكتاب ؛ إذ تفرقوا واختلفوا . ومعناهما واحد وذكرهما للتأكيد . وقيل : بل معناهما مختلف : فقد تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الدين . وقيل غير ذلك .

والمقصود تحذير المسلمين مما آلت إليه حال الأمم السالفة في تفرقهم إلى ملل وطوائف شتى ، واختلافهم فيما بينهم اختلافا متباينا بسبب ركونهم للهوى وطاعتهم للنفس الجانحة للسوء واستسلامهم للطبع الخسيس الغلاب ألا وهو الحسد . يحذر الله هذه الأمة من الشقاق والفرقة والانقسام والتمزق طمعا في مكاسب دنيوية رخيصة ، أو جريا وراء هوى جامح منحدر يهبط بصاحبه إلى أحط الدركات من الإسفاف والضعة والحقار .

يحذر الله من كل ظواهر التدابر والخصام من غير يقين في ذلك ولا برهان إلا محض الثرثرة واللغط واستمراء الجدل العقيم ، أو انقيادا للوثة الحسد البغيض .

قوله : ( من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لأهم عذاب عظيم ) ذلك شأن أهل الكتاب فقد جاءتهم البينات وهي الآيات الواضحة التي تبين لهم الحق في غير إبهام والتي توجب الألفة والاتفاق وعدم الاختلاف ، لكنهم مع ذلك تفرقوا واختلفوا . لا جرم أن عاقبة أولئك السوء وهو العذاب العظيم . فحذار أيها المسلمون أن يصيبكم ما أصابهم إذا نكصتم على أعقابكم فعصفت بكم رياح التفرق والاختلاف{[562]} .


[562]:- مختار الصحاح ص 510.