نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

ولما أمر بذلك أكده بالنهي عما يضاده معرضاً بمن نزلت هذه الآيات فيهم من أهل الكتاب مبكتاً لهم بضلالهم{[18506]} واختلافهم في دينهم على أنبيائهم فقال : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا } بما ابتدعوه في أصول دينهم وبما ارتكبوه من المعاصي ، فقادهم{[18507]} ذلك ولا بد إلى التخاذل والتواكل والمداهنة{[18508]} التي قصدوا بها المسالمة فجرتهم{[18509]} إلى المصارمة{[18510]} . ولما كان التفرق ربما كان بالأبدان فقط مع الاتفاق{[18511]} في الآراء{[18512]} بيَّن أن الأمر ليس كذلك فقال : { واختلفوا } بما أثمر لهم الحقد الحامل على الاتصاف بحالة{[18513]} من{[18514]} يظن أنهم جميع وقلوبهم شتى .

ولما ذمهم بالاختلاف الذي دل العقل على ذمه{[18515]} زاد في تقبيحه بأنهم خالفوا فيه بعد نهي العقل واضح النقل فقال : { من } أي وابتدأ اختلافهم من الزمان الذي هو من{[18516]} { بعد ما جاءهم } وعظمه بإعرائه عن التأنيث { البينات } أي بما يجمعهم ويعليهم ويرفعهم ويوجب اتفاقهم{[18517]} وينفعهم ، فأرداهم ذلك الافتراق وأهلكهم .

ولما كان التقدير : فأولئك قد تعجلوا الهلاك في الدنيا فهم الخائبون{[18518]} ، عطف عليه{[18519]} قوله : { {[18520]}وأولئك } أي{[18521]} {[18522]}البعداء البغضاء{[18523]} { لهم عذاب عظيم * } أي في الدار الآخرة بعد عذاب الدنيا {[18524]}باختلافهم منابذين{[18525]} لما من شأنه الجمع ، والآية من الاحتباك : إثبات " المفلحون " أولاً يدل على " الخاسرون " ثانياً ، والعذاب{[18526]} العظيم ثانياً يدل على النعيم المقيم أولاً .


[18506]:زيد من ظ ومد.
[18507]:من ظ ومد، وفي الأصل: فعادهم.
[18508]:من مد، وفي الأصل: لمداهنة، وفي ظ: المناهة ـ كذا.
[18509]:في ظ: لجرتهم.
[18510]:في ظ: المضارمة.
[18511]:في ظ: الانفاق.
[18512]:في ظ: الآوا ـ كذا.
[18513]:في ظ: بحاله.
[18514]:من ظ ومد، وفي الأصل: منه.
[18515]:من ظ ومد، وفي الأصل: ذمة.
[18516]:سقط من ظ.
[18517]:من مد، وفي الأصل: انفاقهم، وفي ظ: نفاقهم.
[18518]:من مد، وفي الأصل: الخايضون، وفي ظ موضعه: يفهم على وجه لزومها لهم في الدنيا والأخرة، وسيأتي قبل قوله تعالى "هم فيها خالدون".
[18519]:زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[18520]:العبارة من هنا إلى "عذاب الدنيا" تقدمت في الأصل على "ولما كان".
[18521]:زيد من ظ ومد.
[18522]:في ظ ومد: البغضاء البعداء.
[18523]:في ظ ومد: البغضاء البعداء.
[18524]:العبارة من هنا إلى "النعيم المقيم أولا" وقعت في الأصل بعد "الافتراق وأهلكهم".
[18525]:في ظ: لمن.
[18526]:في ظ: لمن.