التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلضَّلَٰلَةُۚ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُواْ ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ} (30)

28

تعليق على جملة

{ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة }

وجملة { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } قد توهم أن الله تعالى يفعل ذلك بدون سبب من المهتدي والضال . غير أن بقية الآية تزيل هذا التوهم ؛ حيث احتوت تعليلا متسقا مع تقريرات القرآن المتكررة التي مرت أمثلة منها وهو كونهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله . وفي آية سورة يونس هذه : { كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون33 } توضيح يزيل بدوره ذلك التوهم وهذا أيضا ملموح في آيات سورة البقرة [ 26-27 ] وسورة الرعد [ 27 ] وسورة إبراهيم [ 26 ] التي أوردناها سابقا أيضا . ولقد فرّع المؤولون والمفسرون عن هذه الجملة معاني أو أحكاما أخرى . فذهب الطبري إلى أن فيها دليلا على أن العذاب لا يقع فقط على الضال المعاند لربه ، بل يقع على الضال الذي يظن أنه على هدى . وهناك من فرق بين من تحرى واجتهد وظن أنه على هدى وبين من انحرف دون تحر واجتهاد تقليدا لغيره . فذهب إلى أن الأول يكون معذورا وأن العذاب لا يكون إلا على الثاني . وهناك من قال : إنه لا يكون بعد الإسلام عذر لمن يضل عن مبادئ الإسلام ومما فيها من عقائد وأحكام صريحة وقطعية بنص قرآني أو سنة نبوية ثابتة ؛ لأن فهم هذا من متناول الجميع . وإن العذر إنما يكون للمجتهد فيما ليس فيه نص صريح وقاطع بل ويكون له أجران إذا أصاب وأجر إذا أخطأ . ويتبادر لنا أن القول الأخير هو الأوجه الأسد .

وهناك من قال إن الآية تدل على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم والقطع واليقين وفي هذا وجاهة وسداد أيضا{[953]} . والله تعالى أعلم .


[953]:- انظر تفسير الآية في تفسير رشيد رضا والقاسمي.