قوله تعالى : { فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ } : في نصب " فريقاً " وجهان أحدُهما : أنه منصوب بهدى بعده ، وفريقاً الثاني منصوب بإضمار فعلٍ يفسِّره قولُه { حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ } من حيث المعنى ، والتقدير : وأضلَّ فريقاً حَقَّ عليهم ، وقَدَّره الزمخشري : " وخَذَل فريقاً " لغرضٍ له في ذلك . والجملتان الفعليتان في محل نصب على الحال من فاعل " بدأكم " أي : بَدَأكم حالَ كونه هادياً فريقاً ومُضِلاً آخر ، و " قد " مضمرةٌ عند بعضهم . ويجوز على هذا الوجهِ أيضاً أن تكون الجملتان الفعليتان مستأنفتَيْن ، فالوقفُ على " يعودون " على هذا الإِعرابِ تامٌّ بخلاف ما إذا جَعَلهما حالَيْن ، فالوقفُ على " يعودون " على هذا الإِعرابِ تامٌّ بخلاف ما إذا جَعَلهما حالَيْن ، فالوقفُ على قوله " الضلالة " .
الوجه الثاني : أن ينتصبَ " فريقاً " على الحال من فاعل " تَعُودون " أي : تعودون : فريقاً مَهْدِيَّاً وفريقاً حاقَّاً عليه الضلالة ، وتكون الجملتان الفعليتان على هذا في محل نصب على النعت لفريقاً وفريقاً ، ولا بد حينئذ من حَذْفِ عائد على الموصوف من هَدَى أي : فريقاً هداهم ، ولو قَدَّرْته " هداه " بلفظ الإِفراد لجاز ، اعتبار بلفظ " فريق " ، إلا أن الأحسنَ الأول لمناسبة قوله : { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ } ، والوقف حينئذ على قوله " الضلالة " ، ويؤيد إعرابَه حالاً قراءةُ أُبَيّ بن كعب : " تعودون فريقَيْن : فريقاً هدى وفريقاً حقَّ عليهم الضلالة " ففريقَيْن نصب على الحال ، وفريقاً وفريقاً بدل أو منصوب بإضمار أعني على القطع ، ويجوز أن ينتصبَ فريقاً الأول على الحال من فاعل تعودون ، وفريقاً الثاني نصب بإضمار فعلٍ يفسِّره " حقَّ عليهم الضلالة " كما تقدم تحقيقه في كل منهما .
وهذه الأوجهُ كلُّها ذكرها ابن الأنباري فإنه قال كلاماً حسناً ، قال رحمه الله : " انتصب فريقاً وفريقاً على الحال من الضمير الذي في تعودون ، يريد : تعودون كما ابتدأ خَلْقُكم مختلفين ، بعضكم أشقياء وبعضكم سُعَداء ، فاتصل " فريق " وهو نكرةٌ بالضمير الذي في " تعودون " وهو معرفة فقُطِع عن لفظه ، وعُطِف الثاني عليه " . قال : " ويجوز أن يكونَ الأول منصوباً على الحال من الضمير ، والثاني منصوب بحقَّ عليهم الضلالة ، لأنه بمعنى أضلَّهم كما يقول القائل : " عبد الله أكرمته وزيداً أحسنت إليه " فينتصب زيداً بأحسنت إليه بمعنى نَفَعْته ، وأنشد :
أثعلبةَ الفوارسِ أم رِياحا *** عَدَلْتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا
نصب ثعلبة ب " عَدَلْتَ بهم طهية " لأنه بمعنى أَهَنْتَهم أي : عَدَلْت بهم مَنْ هو دونَهم ، وأنشد أيضاً قوله :
يا ليت ضيفَكمُ الزبيرَ وجارَكم *** إيايَ لبَّس حبلَه بحبالي
فنصب " إياي " بقوله : " لَبَّس حبله بحبالي ، إذ كان معناه " خالطني وقصدني " قلت : يريد بذلك أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر من معنى الثاني لا من لفظه ، هذا وجهُ التنظير . وإلى كون " فريقاً " منصوباً ب " هدى " و " فريقاً " منصوباً ب " حَقَّ " ذهب الفراء ، وجَعَلَه نظيرَ قوله تعالى :
{ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان : 31 ] .
وقوله : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا } جارٍ مَجْرى التعليل وإن كان استئنافاً لفظاً ، ويدلُّ على ذلك قراءةُ عيسى بن عمر والعباس بن الفضل وسهل بن شعيب " أنهم " بفتح الهمزة وهي نصٌّ في العِلِّيَّة أي : حَقَّتْ عليهم الضلالة لاتِّخاذهم الشياطينَ أولياءَ ، ولم يُسْند الإِضلال إلى ذاته المقدسة وإن كان هو الفاعلَ لها تحسيناً للفظ وتعليماً لعباده الأدبَ ، وعليه : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ } [ النحل : 9 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.