جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

{ فاطر السماوات والأرض } خبر آخر لذلكم ، أو مبتدأ خبره قوله : { جعل لكم من أنفسكم } أي : من جنسكم{[4441]} { أزواجا } : نساء { ومن الأنعام أزواجا } : وخلق للأنعام من جنسها أزواجا ، أو خلق لكم من الأنعام أصنافا { يذرؤكم فيه } : يكثركم في ذلك الطريق والتدبير ، وهو جعلكم أزواجا يكون سببا للتوالد { ليس كمثله شيء } : قولنا : ليس كذاته{[4442]} ، ليس كمثله ، عبارتان عن معنى واحد إلا أن الأولى صريحة والثانية : كناية مشتملة على مبالغة ، وهي أن المماثلة منفية ممن يكون مثله وعلى صفته ، فكيف عن نفسه . وهذا لا يستلزم وجود المثل ، وقيل : الكاف أو المثل : صلة{ وهو السميع البصير }


[4441]:أو خلق حواء من ضلع آدم/12 منه.
[4442]:الأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيا وإثباتا ففي {ليس كمثله شيء} رد التشبيه، وفي قوله:{وهو السميع البصير} رد للإلحاد والتعطيل. قال الحافظ العلامة ابن القيم، في كتابه حادي الأرواح، في باب الرؤية" هذه الآية يعني قوله: {ليس كمثله شيء} من أعظم الأدلة الدالة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله، فإنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها، وهكذا جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل: فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه، أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها، وكلما كثرت أوصافه ونعوته فاق أمثاله، وبعد عن مشابهة أضرابه، فكيف بالحي القيوم الذي لا مثيل له في ذاته وصفاته؟! فقوله:{ليس كمثله شيء} من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته. انتهى. وأيضا قال: في إغاثة اللهفان بعد البيان الطويل: قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} إنما قصد به نفي أن يكون معه شريك أو معبود يستحق العبادة والتعظيم، ولم يقصد به نفي صفات كماله وعلوه على خلقه، وتكلمه بكتبه وتكليمه لرسله، ورؤية المؤمنين له جهرة بأبصارهم، كما يرى الشمس والقمر في الصحو، فإنه سبحانه إنما ذكر هذا في سياق رده على المشركين الذين اتخذوا من دونه أولياء، فقال:{والذين اتخذوا من دونه أولياء} ثم ساق الآيات إلى قوله:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، ثم قال: فانظر وتأمل كيف ذكر هذا النفي تقريرا للتوحيد وإبطالا لما عليه أهل الشرك من تشبيه آلهتهم وأوليائهم به حتى عبدوهم، فحرفها المحرفون وجعلوها ترسا لهم في نفي صفات كماله، وحقائق أسمائه وأفعاله انتهى. ومن أراد زيادة تفصيل فليرجع إلى خاتمة هذا الكتاب /12.