فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (67)

{ وإذ قال موسى لقومه } توبيخ آخر لأخلاف بني إسرائيل بتذكير بعض جنايات صدرت من أسلافهم ، أي اذكروا وقت قول موسى لأصولكم وقد قتل لهم قتيل لا يدري قاتله ، وسألوه أن يدعو الله أن يبينه لهم فدعاه ، والقتيل اسمه عاميل .

{ إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } قيل إن قصة ذبح البقرة المذكورة هنا مقدم في التلاوة ومؤخر في المعنى على قوله تعالى { وإذا قتلتم نفسا فادارأتم فيها } ويجوز أن يكون قوله { إذ قتلتم } مقدما في النزول ويكون الأمر بالذبح مؤخرا ، قال الكرخي وإنما آخر أول القصة تقديما لذكر مساويهم وتعديدا لها ليكون أبلغ في توبيخهم على القتل ، ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها ، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة التي ذبحوها ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروا أن يضربوا ببعضها ، هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب ، وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية .

والبقرة اسم للأنثى ويقال للذكر ثور ، وقيل إنها تطلق عليهما وأصله من البقر وهو الشق لأنها تشق الأرض بالحرث ، قال الأزهري البقر اسم جنس وجمعه باقر .

{ قالوا أتتخذنا هزوا } أي نحن نسألك أمر القتيل وأنت تأمرنا بذبح بقرة ، وإنما قالوا ذلك لبعد ما بين الأمرين في الظاهر ولم يعلموا ما وجه الحكمة فيه ، والهزؤ هنا اللعب والسخرية ، وإنما يفعل ذلك أهل الجهل لأنه نوع من العبث الذي لا يفعله العقلاء ، ولهذا أجابهم موسى بالاستعاذة بالله سبحانه من الجهل .

{ قال } يعني موسى { أعوذ بالله } أي أمتنع به { أن أكون من الجاهلين } أي بالجواب لا على وفق السؤال أو من المستهزئين بالمؤمنين ، وهذا أبلغ من قولك أن أكون جاهلا .