الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (67)

وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ . . . } [ البقرة :66 ] المراد تذكيرهم بنقْضِ سلفهم للميثاقِ ، وسبب هذه القصَّة على ما روي ، أن رجلاً من بني إسرائيل أَسَنّ وكان له مالٌ ، فاستبطأ ابن أخيه موته ، وقيل : أخوه ، وقيل : ابنا عمه ، وقيل : ورثةٌ غيْرُ معيَّنين ، فقتله ليرثه ، وألقاه في سبط آخر غير سبطه ، ليأخذ ديته ويلطِّخهم بدمه .

وقيل : كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين ، فألقاهُ إِلى باب إِحدى القريتَيْن ، وهي التي لم يُقْتَلْ فيها ، ثم جعل يطلبه هو وسبطه ، حتى وجده قتيلاً فتعلَّق بالسبط أوْ بسكَّان المدينة التي وجد القتيل عندها ، فأنكروا قتله ، فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء ، حتى دخلوا في السِّلاح ، فقال أهل النهى منهم : أَنَقْتَتِلُ ورسُولُ اللَّهِ معنا ، فذهبوا إلى موسى عليه السلام ، فقصُّوا علَيْهِ القصَّة ، وسألوهُ البيانَ ، فأوحى اللَّه تعالى إِليه أن يذبحوا بقرةً فيُضْرَبُ القتيل ببعضها ، فيحيى ويُخْبِرُ بقاتله ، فقال لهم : { إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً }[ البقرة :67 ] ، فكان جوابهم أنْ قَالُواْ : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا }[ البقرة :67 ] وهذا القول منهم ظاهره فسادُ اعتقادٍ مِمَّنْ قاله : ولا يصحُّ إيمان من يقول لِنبيٍّ قد ظهرتْ معجزته ، وقال : إن اللَّه يأمرُ بكذا : { أتتخذُنَا هُزُواً }[ البقرة :67 ] ولو قال ذلك اليوْمَ أحدٌ عن بعض أقوال النبيِّ صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره .

وذهب قوم إلى أنَّ ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء ، وقول موسى عليه السلام : { أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين }[ البقرة :67 ] يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ :

أحدهما : الاستعاذةُ من الجهل في أن يخبر عن اللَّه تعالى مستهزئاً .

والآخر : من الجهل كما جهلوا في قولهم .