تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (67)

البقرة

( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين( 67 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون( 68 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين( 69 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون( 70 ) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلولا تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الأنا جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون( 71 ) (

المفردات :

البقرة : اسم الأنثى . والثور اسم الذكر .

أتتخذنا هزوا : أتجعلنا موضع استهزاء أي سخرية .

الجهل : هنا فعل ما لا ينبغي أن يفعل ، وقد يطلق على اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه .

67

التفسير :

67- وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة . أي واذكروا يا بني إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا وقت أن حدث في أسلافكم قتيل ولم يعرف الجاني . فطلب بعض أهله وغيرهم من موسى عليه السلام أن يدعو الله ليكشف لهم القاتل الحقيقي فقال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .

ويجوز أن يكون المعنى ، واذكر يا محمد الوقت الذي قال فيه موسى لقومه ، والأمر هنا لكل من يصلح للخطاب ، ليعرف ما كان عليه بنو إسرائيل من اللجاجة و العناد ، والفرار من الرشاد : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة . ليكون وسيلة إلى معرفة القاتل .

وتنكير لفظ ( بقرة ) يشير إلى أنهم لو ذبحوا أية بقرة بعد الأمر لكفتهم ولكنهم كعادتهم شددوا بتكرار الأسئلة فشدد الله عليهم( 178 ) .

وقد أمر الله بذبح بقرة دون غيرها من الحيوانات ، لأنها من جنس ما عبدوه وهو العجل ، وفي أمرهم بذلك تهوين لشأن هذا الحيوان الذي عظموه وعبدوه وأحبوه ، فكان سبحانه يقول لهم : إن هذا البقر الذي يضرب به المثل في البلادة ، لا يصلح أن يكون معبودا من دون الله ، وإنما يصلح للحرث والسقي والعمل والذبح .

وهذا استئناف بياني ، كأن سائلا قال : ماذا قال بنو إسرائيل لموسى بعد أن أمرهم بذبح البقرة ، فكان الجواب ، قالوا أتتخذنا هزوا . وهزوا أي سخرية وهو بتقدير مضاف أي موضع هزو .

استبعدوا أن يكون ذبح البقرة له صلة بتبرئة المتهم بالقتل فظنوا لجهلهم أنه يسخر بهم ، فسألوه مستنكرين .

أتتخذنا هزوا : وكان حقهم أن يمتثلوا ولا يقولوا ما قالوا ، فقد عرفوا في رسولهم الجد في أمره كله ، ولاسيما ما ينقله لهم عن الله تعالى .

قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين : أي ألتجئ إلى الله وأبرأ إليه من أن أكون من السفهاء الذين يروون عنه الكذب والباطل .

وفي هذا الجواب تبرؤ وتنزه عن الهزء ، وهو المزاح الذي يخالطه احتقار واستخفاف بالممازح معه ، لأنه لا يليق بعقلاء الناس فضلا عن رسل الله عليهم السلام .

قال الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين عليه رحمة الله :

«وقد نبهت الآية الكريمة على أن الاستهزاء بأمر من أمور الدين جهل كبير ، ومن الجهل ما يلقى صاحبه في أسوأ العواقب ، ويقذف به في عذاب الحريق ، ومن هنا منع المحققين من أهل العلم استعمال الآيات كأمثال يضربونها في مقام المزح والهزل ( 179 ) . وقالوا : إنما أنزل القرآن الكريم ليتلى بتدبر وخضوع ، وليعمل به بتقبل وخضوع . ا ه ( 180 ) .