معاني القرآن للفراء - الفراء  
{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

وقوله : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ }

نصبت المواطن لأن كلّ جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان فهو لا يُجْرَى ؛ مثل صوامع ، ومساجد ، وقناديل ، وتماثيل ، ومحاريب . وهذه الياء بعد الألف لا يعتدّ بها ؛ لأنها قد تدخل فيما ليست هي منه ، وتخرج مما هي منه ، فلم يعتدّوا بها ؛ إذ لم تثبت كما ثبت غيرها . وإنما منعهم من إجرائه أنه مثال لم يأت عليه شيء من الأسماء المفردة ، وأنه غاية للجِماع ؛ إذا انتهي الجماع إليه فينبغي له ألاّ يجمع . فذلك أيضا منعه من الانصراف ؛ ألا ترى أنك لا تقول : دراهمات ، ولا دنانيرات ، ولا مساجدات . وربّما اضطُرَّ إليه الشاعر فجمعه . وليس يوجد في الكلام ما يجوز في الشعر . قال الشاعر :

*** فهنّ يجمعن حدائداتِها ***

فهذا من المرفوض إلا في الشعر .

ونعت ( المواطن ) إذا لم يكن معتلاّ جرى . فلذلك قال : ( كثيرةٍ ) .

وقوله : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } وحُنَين وادٍ بين مكة والطائف . وجرى ( حنين ) لأنه اسم لمذكَّر . وإذا سمَّيت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكّر لا علّة فيه أجريته . من ذلك حنين ، وبَدْر ، وأُحُد ، وحِراء ، وثَبِير ، ودابِق ، وواسط . وإنما سمّي واسطا بالقصر الذي بناه الحجّاج بين الكوفة والبصرة . ولو أراد البلدة أو اسما مؤنّثا لقال : واسطة . وربما جعلت العرب واسط وحُنين وبدر ، اسما لبلدته التي هو بها فلا يجرونه ؛ وأنشدني بعضهم :

نصروا نبِيَّهمُ وشَدّوا أَزْرَه *** بحُنَينَ يوم تواكُلِ الأَبطالِ

وقال الآخر :

ألسنا أكرم الثَّقَليْن رَجْلا *** وأعظمَه ببطن حِراء نارا

فجعل حراء اسما للبلدة التي هو بها ، فكان مذكرا يسمى به مؤنّث فلم يُجْرَ . وقال آخر :

لقد ضاع قوم قلّدوك أمورَهم *** بدابِقَ إذ قيل العدوّ قريب

رأوا جسدا ضخما فقالوا مقاتل *** ولم يعلموا أن الفؤاد نخيب

ولو أردت ببدر البلدة لجاز أن تقول مررت ببدْرَ يا هذا .