فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

{ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } تذكير للمؤمنين بنعمه عليهم والمواطن جمع موطن ، وفي المصباح الوطن مكان الإنسان ومقره ، والجمع أوطان مثل سبب وأسباب ، والموطن مثل الوطن والجمع مواطن كمسجد ومساجد ، والموطن أيضا المشهد من مشاهد الحرب ، والمواطن التي نصر الله المسلمين فيها هي يوم بدر وقريظة والنضير وكانت غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما ذكر في الصحيحين من حديث زيد بن أرقع تسع عشرة غزوة زاد بريدة في حديثه ( قاتل في ثمان منهن ) ويقال أن جميع غزواته وسراياه وبعوثه سبعون وقيل ثمانون .

{ و } نصركم أيضا { يوم حنين } وهو واد بين مكة والطائف بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا كما في الخازن وانصرف على أنه اسم مكان ، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة .

قال قتادة : قاتل بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم هوازن وثقيف ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو ، وذلك في شوال سنة ثمان عقيب رمضان الذي وقع فيه الفتح ، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير .

{ إذ أعجبتكم كثرتكم } وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا أحد عشر ألفا ، وقيل ستة عشر ألفا ، والكفار أربعة آلاف ، قاله السيوطي والذي في شرح المواهب أنهم كانوا أكثر من عشرين ألفا ، وقتل من المسلمين أربعة ومن المشركين أكثر من سبعين انتهى .

وبالجملة قال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فوكلوا إلى هذه الكلمة { فلم تغن } أي لم تدفع الكثرة { عنكم شيئا } بل انهزمتم وثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثبت معه طائفة يسيرة منهم عمه العباس ، وكان آخذ بلجام البغلة ، وأبو سفيان آخذ بركابه وهو ابن عمه إذ هو ابن الحرث ابن عبد المطلب وقد أسلم هو والعباس يوم الفتح ، ثم تراجع المسلمون فكان النصر والظفر .

وفي سيرة الشامي أن الذين ثبتوا معه في حنين مائة وثلاثة وثلاثون من المهاجرين ، وسبعة وستون من الأنصار ، والإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة أي لم يعطكم الكثرة شيئا يدفع حاجتكم ولم تفدكم .

{ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } الرحب بضم الراء السعة ، والرحب بفتحها المكان الواسع والباء بمعنى مع ، وما مصدرية والمعنى أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حل بهم من الخوف والوجل ، وقيل إن الباء بمعنى على أي على رحبها .

{ ثم وليتم } أي انهزمتم حال كونكم { مدبرين } أي مولين أدباركم جاعلين لها إلى جهة عدوكم .

أخرج ابن المنذر عن الحسن قال : لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم ، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد ، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي أحياء العرب : إلي فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه ، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فناداهم : يا أنصار الله وأنصار رسوله إلي عباد الله أنا رسول الله ، فجثوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فتح الله عليهم .

وقيل ناداهم العباس بإذنه ، وكان صيتا يسمع صوته من نحو ثمانية أميال ، فقاتلوا ، ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها فلا نطول بذلك .