غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

17

ثم لما أوجب ترك مصالح الدنيا لأجل الدين أراد أن يبين أن كل من أعرض عن الدنيا لأجل مصالح دينه فإن الله تعالى يراعي مصالح دنياه فيفوز بسعادة الدارين وضرب لنا مثلاً فقال { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال الواحدي : النصر المعونة على الأعداء خاصة ، والمواطن جمع موطن وهو كل موضع أقام به الإنسان لأمر . ومواطن الحرب مقاماتها ومواقعها . وامتناعها من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع ولا هاء كمساجد . والمواطن الكثيرة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي على ما في الصحاح تسع عشرة منها : غزوة بدر وقريظة والنضير وأحد وغزوة الخندق وذات الرقاع وغزوة بني المصطلق وغزوة أنمار وغزوة ذي قرد وخيبر والحديبية والفتح . { ويوم حنين } أي يوم حنين . واستبعد صاحب الكشاف عطف الزمان على المكان فقال : معناه في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين ، وجوّز أن يراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين رضي الله عنه قال علي : أن الواجب أن يكون يوم { حنين } منصوباً بالفعل مضمر لا بهذا الظاهر أي ونصركم يوم حنين لأن قوله { إذ أعجبتكم كثرتكم } بدل من { يوم حنين } فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع المواطن ولم يكونوا كثيراً في جميعها ، وجوّز أن يكون «إذ » منصوباً بإضمار «اذكر » . قلت : ولعله لا حاجة إلى هذه التكلفات فلا استبعاد في عطف الزمان والمكان ، وما جعل بدلاً عن الزمان لا يلزم أن يكون بدلاً عن المكان حتى يكون الفعل الأوّل مقيداً بهما جميعاً . وحنين وداً بين مكة والطائف .

قال المفسرون : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد بقيت أيام من شهر رمضان خرج متوجهاً إلى حنين لقتال هوازن وثقيف . واختلفوا في عدد عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ فعن عطاء عن ابن عباس كانوا ستة عشر ألفاً . وقال قتادة : كانوا اثني عشر ألفاً وعشرة آلاف من الذين حضروا مكة وألفان من الطلقاء الأسارى الذين أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي : كانوا عشرة آلاف . وبالجملة كانوا عدداً كثيرين وكانت هوازن وثقيف أربعة آلاف ، فلما التقوا قال رجل من المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة . فهذه الكلمة ساءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المراد من قوله { إذ أعجبتكم } وقيل : قالها أبو بكر . وقيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعيد لأنه كان في جميع الأحوال متوكلاً على الله منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها . ثم قال { فلم تغن عنكم شيئاً } والإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة أي لم تعطكم الكثرة شيئاً يدفع حاجتكم ولم تفدكم { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } «ما » مصدرية والباء بمعنى «مع » والرحب السعة والجار والمجرور في موضع الحال أي متلبسة برحبها كقولك : دخلت عليه بثياب السفر ، والمعنى أنكم لشدة ما لحقكم من الرعب لم تجدوا في الأرض ذات الطول والعرض موضعاً يصلح لهربكم إليه وكأنها ضاقت عليكم { ثم وليتم مدبرين } أي انهزمتم انهزاماً .

/خ28