وقوله سبحانه : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } [ التوبة : 21 ] .
هذه مخاطبةٌ لجميع المؤمنين يعدِّد الله تعالى نِعَمَهُ عليهم ، والمواطِنُ المُشَارُ إلَيْها بَدْرٌ والخَنْدَق والنَّضير وقُرَيْظة وخَيْبَر وغيرها ، و{ حُنَيْنٌ } وادٍ بين مكَّة والطائِف .
وقوله : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } ، رُوِيَ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : حِينَ رَأَى جملته اثني عَشَرَ أَلْفاً : ( لَنْ تُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ ) ، وروي أَنَّ رجلاً من أصحابه قالها فأَراد الله تعالى إظهار العجز ؛ فظهر حين فَرَّ الناسُ .
( ت ) : العجب جائزٌ في حقِّ غير النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو معصومٌ منه صلى الله عليه وسلم ، والصوابُ في فَهْمِ الحديث ، أَنه خَرَجَ مَخْرَجَ الإِخبار ، لا على وجه العُجْب ؛ وعلى هذا فَهِمُه ابنُ رُشْدٍ وغيره ، وأَنه إِذا بلغَ عَدَدُ المسلمين اثني عشر ألفاً حُرِمَ الفِرَارُ ، وإن زاد عددُ المُشْرِكين على الضِّعْف ؛ وعليه عَوَّلَ في الفتوى ، وقوله تعالى : { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ } ، معناه : بِرُحْبها ؛ كأنه قال : عَلَى ما هي عليه في نَفْسها رَحْبةً واسعةً ، لشدَّة الحال وَصُعوبتها ؛ ف «مَاء » : مصدرية .
وقوله سبحانه : { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } أي : فراراً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، واختصار هذه القصَّة : أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فتَحَ مكَّة ، وكان في عَشَرة ألفاً منْ أصحابه ، وانضاف إِليهم ألفانِ من الطُّلَقَاءِ ، فصار في اثني عَشَرَ أَلفًا ، سمع بذلك كفَّار العرب ، فشَقَّ عليهمِ ، فجمعتْ له هوازنُ وألفافها ، وعليهم مَالِكُ بن عوفٍ النصريُّ ، وثقيفٌ ، وعليهم عبْد يَالِيلَ بْنُ عَمْرُو وانضاف إِليهم أَخلاطٌ مِنَ الناس حتى كانوا ثلاثينَ أَلْفاً ، فخرج إِليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين اجتمعوا بحُنَيْنٍ ، فلما تصافَّ الناسُ ، حمل المشركون من مَحَانِي الوادِي ، وانهزم المُسْلِمون ، قال قتادة : وكان يقال : إِن الطلقاء مِنْ أَهْل مكَّةَ فرُّوا ، وقصدوا إِلقَاءَ الهَزيمة في المُسْلمين ، وكان رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بغلته البَيْضَاء قد اكَتَنَفَهُ العَبَّاس عمُّه ، وابنُ عَمِّه أبو سفيانَ بْنُ الحارثِ بنِ عبد المُطَّلبِ ، وبَيْنَ يدَيْهِ أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ ، وثَمَّ قتل رحمه اللَّه والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ :
أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ *** أَنا ابن عَبْدِ المُطَّلِبْ
فلما رأَى نبيُّ صلى الله عليه وسلم شدَّةَ الحالِ ، نَزَلَ عن بَغْلَتِهِ إِلى الأرض ؛ قاله البَرَاءُ بنُ عازب ، واستنصر اللَّه عَزَّ وجلَّ ، فأَخَذَ قبضةً مِنْ ترابٍ وحصًى ، فرمَى بها في وُجُوه الكُفَّار ، وقال : «شَاهَت الوُجُوه » ، ونادَى رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالأنصارِ ، وأمَرَ العبَّاسَ أنْ ينادِيَ : ( أَيْنَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَةِ البَقَرةِ ؟ ) فَرَجَعَ النّاسُ عَنَقاً واحداً للحَرْبِ ، وتصافحوا بالسُّيوفِ والطَّعْنِ والضرب ، وهناك قال عليه السلام : ( الآنَ حَمِيَ الوَطِيسُ ) وهزم اللَّهُ المشركين ، وأَعْلَى كلمةَ الإِسلام إِلى يَوْمِ الدينِ ، قال يَعْلَى بن عطاءٍ : فحدَّثني أبناءُ المنهزمين عَنْ آبائهم ، قالوا : لم يَبْقَ منَّا أحَدٌ إِلا دخَلَ عينيه مِنْ ذلك التُّرَابِ ، واستيعابُ هذه القصة في كتب «السِّيَر » .
و{ مُّدْبِرِينَ } : نصب على الحال المؤكِّدة ؛ كقوله : { وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا } البقرة : 91 ] ، والمؤكِّدة هي التي يدلُّ ما قبلها عليها كدلالة التولِّي على الإِدبار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.