الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

قوله تعالى : { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } : أي : ولا أَعْلمكم الله به ، مِنْ دَرَيْتُ ، أي : علمتُ . ويقال : دَرَيْتُ بكذا وأَدْرَيْتك بكذا ، أي : أحطت به بطريق الدِّراية ، وكذلك في " علمت به " فَتَضَمَّن العلمُ معنى الإِحاطة فتعَدَّى تَعْدِيَتَها .

وقرأ ابنُ كثير بخلاف عن البزي " ولأَدْراكم " بلام داخلة على " أَدْراكم " مثبتاً . والمعنى : ولأُعْلِمَكم به من غير وساطتي : إمَّا بوساطة مَلَكٍ أو رسولٍ غيري من البشر ، ولكنه خَصَّني بهذه الفضيلة . وقراءةُ الجمهور " لا " فيها مؤكدةٌ ؛ لأنَّ المعطوفَ على المنفيّ منفيّ ، وليست " لا " هذه هي التي يُنْفَى بها الفعل ، لأنه لا يَصِحُّ نفيُ الفعل بها إذا وقع جواباً ، والمعطوفُ على الجواب جواب ، ولو قلت : " لو كان كذا لا كان كذا " لم يَجُزْ ، بل تقول : " ما كان كذا " . وقرأ ابن عباس والحسن وابن سيرين وأبو رجاء : { ولا أَدْرَأْتُكم به } بهمزةٍ ساكنةٍ بعد الراء . وفي هذه القراءةِ تخريجان ، أحدهما : أنها مُبْدَلةٌ من ألف ، والألف منقلبةٌ عن ياءٍ لانفتاحِ ما قبلها وهي لغةٌ لعُقَيْلٍ حكاها قطرب ، يقولون في أعطيتك : أعطأتك . وقال أبو حاتم : " قَلَبَ الحسنُ الياءَ ألفاً ، كما في لغة بني الحرث يقولون : عَلاَك وإلاك ، ثم هَمَزَ على لغة من قال في العالم : العَأْلَم ، وقيل : بل أُبْدلت الهمزة من نفس الياء نحو : " لَبَأْتُ بالحج " و " رثَأْت فلاناً " ، أي : لبَّيْتُ ورَثَيْتُ . والثاني : أن الهمزة أصلية وأن اشتقاقه مِنَ الدَّرْء وهو الدّفْع كقوله : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ } [ النور : 8 ] ، ويقال : أَدْرأته ، أي : جَعَلْته دارِئاً ، والمعنى : ولأَجْعَلَنَّكم بتلاوته خُصَماء تَدْرَؤُونني بالجدال . قال أبو البقاء : " وقيل : هو غلط " ، لأنَّ قارِئَها ظَنَّ أنها من الدَّرْءِ وهو الدَّفْعُ . وقيل : ليس بغلطٍ والمعنى : لو شاء اللَّه لدَفَعَكم عن الإِيمان به " .

وقرأ شهر بن حوشب والأعمش : " ولا أَنْذَرْتُكم " من الإِنذار ، وكذلك/ هي في حرف عبد الله .

والضمير في " قبله " عائد على القرآن . وقيل : على النزول . وقيل : على وقت النزول . و " عُمُراً " مشبهٌ بظرف الزمان فانتصبَ انتصابَه ، أي : مدة متطاولة . وقيل : هو على حَذْف مضاف ، أي : مقدار عُمُر . وقرأ الأعمش " عُمْراً " بسكون الميم كقولهم : " عَضْد " في " عَضُد " .