قوله : { وَقُلِ الْحَقُّ } : يجوز فيه ثلاثة أوجه ، أحدُها : أنه خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ ، أي : هذا ، أي : القرآن ، أو ما سمعتم الحقُّ . الثاني " أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ دَلَّ عليه السياقُ ، أي : جاء الحقُّ ، كما صَرَّح به في موضعٍ آخرَ ، إلاَّ أنَّ الفعلَ لا يُضمر إلا في مواضعَ تقدَّم التنبيهُ عليها ، منها : أَنْ يُجَابَ به استفهامٌ ، أو يُرَدَّ به نفيٌ ، أو يقعَ فعل مبنيّ للمفعول ، لا يَصْلُح إسنادُه لما بعده كقراءة { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ } كما سيأتي إنْ شاء الله تحقيقُه في موضعِه . الثالث : أنه مبتدأٌ وخبرُه الجارُّ بعده .
وقرأ أبو السَّمَّال قعنب : " وقُلُ الحقَّ " بضمِّ اللامِ حيث وقع ، كأنه إتباعٌ لحركةِ القاف . وقرأ أيضاً بنصب " الحقَّ " . قال صاحب " اللوامح " : " هو على صفةِ المصدرِ المقدَّر ؛ لأن الفعلَ يَدُلُّ على مصدره وإن لم يُذْكَرْ ، فتنصِبُه معرفةً كما تنصِبُه نكرةً ، وتقديرُه : وقل القولَ الحقَّ وتُعَلَّقُ " مِنْ " بمضمرٍ على ذلك . أي : جاء مِنْ ربكم " انتهى .
وقرأ الحسن والثقفي بكسرِ لامَيْ الأمرِ في قوله : " فَلْيُؤْمِنْ " ، و " فَلْيَكْفُرْ " وهو الأصل .
قوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن } يجوز في " مَنْ " أن تكونَ شرطيةً ، وهو الظاهرُ ، وأَنْ تكونَ موصولةً ، والفاءُ لشَبَهِه بالشرط . وفاعلُ " شاء " الظاهرُ أنه ضميرٌ يعود على " مَنْ " . وقيل : ضميرٌ يعودُ على الله ، وبه فَسَّر ابنُ عباس ، والجمهورُ على خلافِه .
قوله : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } في محلِّ نصبٍ صفةً ل " ناراً " . والسَّرادِقُ : قيل : ما أحاط بشيءٍ كالمَضْرِب والخِباء . وقيل للحائط المشتمل على شيء : سُرادِق . قاله الهَرَوِيُّ . وقيل : هو الحُجْرَةُ تكونُ حول الفُسْطاط . وقيل : هو ما يُمَدُّ على صحنِ الدار . وقيل : كلُّ بيتٍ من كُرْسُفِ فهو سُرادِق ، قال رؤبة :
يا حَكَمُ بنَ المنذرِ بن الجارُوْدْ *** سُرادِقُ المجدِ عليك مَمْدودْ
ويُقال : بيت مُسَرْدَق . قال الشاعر :
هو المُدْخِلُ النُّعْمانَ بيتاً سماؤُه *** صدورُ الفُيولِ بعد بيتٍ مُسَرْدَقِ
وكان أبرويز ملكُ الفرس قد قتل النعمان بن المنذر تحت أَرْجُلِ الفِيلة . والفُيول : جمع فِيل . وقيل : السُّرادق : الدِّهليز . قال الفرزدق :
تَمَنَّيْتَهم حتى إذا ما لَقِيْتَهُمْ *** تركْتَ لهم قبلَ الضِّراب السُّرادقا
والسُّرادق : فارسيٌّ معرَّبٌ أصله : سرادَة ، قاله الجواليقي ، وقال الراغب : " فارسيٌّ معرَّبٌ ، وليس في كلامهم اسمٌ مفردٌ ، ثالثُ حروفِه ألفٌ بعدها حرفان " .
قوله : { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } ، أي : يَطْلُبوا العَوْنَ . والياءُ عن واوٍ ، إذ الأصل : يستَغْوِثوا ، فقُلبت الواو ياءً لتصريفٍ ذُكِر في الفاتحة عند قوله : { نَسْتَعِينُ } الفاتحة : 5 ] ، وهذا الكلامُ من المشاكلةِ والتجانُسِ ، وإلا فأيُّ إغاثةٍ لهم في ذلك ؟ أو من باب التهكُّم كقولِه :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . فَأُعْتِبُوا بالصَّيْلَمِ
[ وكقولِه ] : . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَحِيَّةُ بينِهم ضَرْبٌ وَجيعُ
و " كالمُهْلِ " صفةٌ ل " ماء " . والمُهْلُ : دُرْدِيُّ الزيت ، وقيل : ما أُذِيْب من الجواهر كالنُّحاس والرصاص . والمَهَل بفتحتين : التُّؤَدَة والوَقار . قال :
{ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ } [ الطارق : 17 ] .
قوله : { يَشْوِي الْوجُوهَ } يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ صفةً ثانيةً ، أن تكونَ حالاً مِنْ " ماء " لأنه تخصَّصَ بالوصف ، ويجوز أَنْ تكونَ حالاً من الجارِّ وهو الكاف .
والشَّيُّ : الإِنضاجُ بالنارِ من غيرِ مَرَقَةٍ تكون مع ذلك الشيءِ المَشْوِيَّ .
قوله : { بِئْسَ الشَّرَابُ } المخصوصُ محذوفٌ تقديره : هو ، أي : ذلك الماءُ المستغاثُ به .
قوله : { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } " ساءَتْ " هنا متصرفةٌ على بابها . وفاعلُها ضميرُ النار . ومُرْتَفَقَا تمييز منقولٌ من الفاعلية ، أي : ساء وقَبُحَ مُرْتَفَقُها . والمُرْتَفَقُ : المُتَّكأ . وقيل : المنزل ، وقيل : هو مصدرٌ بمعنى الارتفاق ، وهو من بابِ المقابلة أيضاً كقوله في وصفِ الجنة بعدُ : { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }
[ الكهف : 31 ] ، وإلاَّ فأيُّ ارتفاقٍ في النار ؟ قال الزمخشري : إلا أَنْ يكون من قوله :
إني أَرِقْتُ فَبِتُّ الليلَ مُرْتَفِقا *** كأنَّ عَيْنِيَ فيها الصابُ مَذْبوحُ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.