الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (82)

قوله : { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ } : أي : مضمونُ القول ، أو أَطْلَقَ المصدرَ على المفعولِ أي : المَقُوْلُ .

قوله : { تُكَلِّمُهُمْ } العامَّةُ على التشديد . وفيه وجهان ، الأظهر : أنه من الكلامِ والحديث ، ويؤيِّده قراءةُ أُبَيٍّ " تُنَبِّئُهم " وقراءةُ يحيى بن سَلام " تُحَدِّثُهم " وهما تفسيران لها . والثاني : " تَجْرَحُهم " ويَدُلُّ عليه قراءةُ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زُرْعَةَ والجحدري " تَكْلُمُهم " بفتحِ التاءِ وسكونِ الكافِ وضمِّ اللامِ من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ . وقد قُرِىء " تَجْرَحُهم " وفي التفسير أنها تَسِمُ الكافَر .

قوله : { أَنَّ النَّاسَ } قرأ الكوفيون بالفتح ، والباقون بالكسرِ ، فأمَّا الفتحُ فعلى تقديرِ الباءِ أي : بأنَّ الناسَ . ويدلُّ عليه التصريحُ بها في قراءةِ عبدِ الله " بأنَّ الناسَ " . ثم هذه الباء تُحتملُ أَنْ تكونَ مُعَدِّيَةً ، وأن تكونَ سببيةً ، وعلى التقديرين : يجوزُ أَنْ يكونَ " تُكَلِّمهم " بمعنَيَيْه من الحديثِ والجَرْح أي : تُحَدِّثهم بأنَّ الناسَ أو بسببِ أنَّ الناسَ ، أو تجرَحهم بأنَّ الناس أي : تَسِمُهم بهذا اللفظِ ، أو تَسِمُهم بسبب انتفاءِ الإِيمانِ .

وأمَّا الكسرُ فعلى الاستئناف . ثم هو محتمِلٌ لأَنْ يكونَ من كلامِ اللهِ تعالى وهو الظاهرُ ، وأَنْ يكونَ من كلامِ الدابَّةِ ، فيُعَكِّرَ عليه " بآياتنا " . ويُجاب عنه : إمَّا باختصاصِها ، صَحَّ إضافةُ الآياتِ إليها ، كقولِ أتباعِ الملوكِ : دوابُّنا وخَيْلُنا ، وهي لِمَلِكهم ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي : بآيات ربِّنا . وتُكَلِّمهم إنْ كان من الحديثِ فيجوزُ أَنْ يكونَ : إمَّا لإجراءِ " تُكَلِّمُهم " مُجْرى تقولُ لهم ، وإمَّا على إضمارِ القولِ أي : فتقول كذا . وهذا القولُ تفسيرٌ ل " تُكَلِّمُهم " .