فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

{ لو خرجوا } شروع في بيان المفاسد التي تترتب على خروجهم ، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين عن تخلف المنافقين ، ومعنى { فيكم } في جيشكم أو ( في ) بمعنى مع أي معكم { ما زادوكم إلا خبالا } هو الشر والفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف ، وأصله اضطراب ومرض يؤثر في العقل كالجنون ، قيل هذا الاستثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ، ولكن طلبوا الخبال وليس بذاك لأنه لا يكون مفرغا ، قاله الزمخشري والبيضاوي وأبو السعود .

قال الخفاجي : وفيه بحث لأنه لا مانع منه إذا دلت القرينة عليه ، كما إذا قيل ما أنيسك في البادية ؟ فقلت ما لي بها إلا اليعافير ، أي ما لي أنيس إلا هذه ، انتهى .

وقيل المعنى لا يزيدونكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا ، فيكون متصلا ، وقيل قوله استثناء من أعم العام أي ما زادوكم شيئا إلا خبالا فيكون الاستثناء من قسم المتصل لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشيء .

{ ولأوضعوا خلالكم } الإيضاع سرعة السير ، يقال أوضع البعير إذا أسرع السير ، وقيل هو سير الخبب ، وأوضع يستعمل لازما كما في القاموس ومتعديا كما في المختار ، والخلة الفرجة بين الشيئين والمفرد خلل ، والجمع الخلال كجمل أي الفرج التي تكون بين الصفوف .

والمعنى على الأول لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الأرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذوات البين ، وعلى الثاني أسرعوا ركائبكم بينكم بالنميمة ، وفيه استعارة تخييلية ومكنية ، وقيل إنه استعارة تبعية شبه سرعة إفسادهم لذات البين بالنميمة بسرعة سير الركائب المسماة بالإيضاع وهو إسراع سير البعير ، ثم استعير لسرعة الإفساد لفظ الإيضاع وهو للإبل ثم اشتق منه أوضعوا وأصل الاستعارة ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم ، ثم حذف النمائم وأقيم المضاف إليه مقامها لدلالة سياق الكلام على أن المراد النميمة ثم حذف الركائب ، قاله الطيبي كما ذكره زكريا .

{ يبغونكم } يقال بغيته كذا طلبته له وأبغيته كذا أعنته على طلبه ، والمعنى يطلبون لكم { الفتنة } أي ما يفتنون به في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد ، وقولهم للمؤمنين لقد جمعوا لكم كذا وكذا ولا طاقة لكم بهم وإنكم ستهزمون منهم وسيظهرون عليكم ، ونحو ذلك من الأحاديث الكاذبة التي تورث الجبن والفشل ، وقيل الفتنة العيب والشر ، وقيل الفتنة هنا الشرك .

{ وفيكم سماعون لهم } أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم ، فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم والفساد لأحوالكم ، قال مجاهد : معناه محدثون لهم بأحاديثكم غير منافقين وهم عيون للمنافقين . انتهى . فعلى هذا يكون المراد فيكم جواسيس منهم يسمعون لهم الأخبار منكم فاللام على الأول للتقوية ، وعلى الثاني للتعليل أي لأجلهم { والله عليم بالظالمين } وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم وكره انبعاثهم معكم .

ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف ، لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن قد علم من أحوالهم لوخرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل ، فعوتب صلى الله عليه وسلم على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب ، ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا } الآية .

وقال في سورة الفتح { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } إلى قوله : { قل لن تتبعونا } وفي الآية وعيد وتهديد للمنافقين الذين يلقون الفتن والشبهات بين المؤمنين ، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم ، قال أبو السعود : ولعله شامل للفريقين السماعين والقاعدين .