{ لو خرجوا } شروع في بيان المفاسد التي تترتب على خروجهم ، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين عن تخلف المنافقين ، ومعنى { فيكم } في جيشكم أو ( في ) بمعنى مع أي معكم { ما زادوكم إلا خبالا } هو الشر والفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف ، وأصله اضطراب ومرض يؤثر في العقل كالجنون ، قيل هذا الاستثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ، ولكن طلبوا الخبال وليس بذاك لأنه لا يكون مفرغا ، قاله الزمخشري والبيضاوي وأبو السعود .
قال الخفاجي : وفيه بحث لأنه لا مانع منه إذا دلت القرينة عليه ، كما إذا قيل ما أنيسك في البادية ؟ فقلت ما لي بها إلا اليعافير ، أي ما لي أنيس إلا هذه ، انتهى .
وقيل المعنى لا يزيدونكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا ، فيكون متصلا ، وقيل قوله استثناء من أعم العام أي ما زادوكم شيئا إلا خبالا فيكون الاستثناء من قسم المتصل لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشيء .
{ ولأوضعوا خلالكم } الإيضاع سرعة السير ، يقال أوضع البعير إذا أسرع السير ، وقيل هو سير الخبب ، وأوضع يستعمل لازما كما في القاموس ومتعديا كما في المختار ، والخلة الفرجة بين الشيئين والمفرد خلل ، والجمع الخلال كجمل أي الفرج التي تكون بين الصفوف .
والمعنى على الأول لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الأرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذوات البين ، وعلى الثاني أسرعوا ركائبكم بينكم بالنميمة ، وفيه استعارة تخييلية ومكنية ، وقيل إنه استعارة تبعية شبه سرعة إفسادهم لذات البين بالنميمة بسرعة سير الركائب المسماة بالإيضاع وهو إسراع سير البعير ، ثم استعير لسرعة الإفساد لفظ الإيضاع وهو للإبل ثم اشتق منه أوضعوا وأصل الاستعارة ولأوضعوا ركائب نمائمهم خلالكم ، ثم حذف النمائم وأقيم المضاف إليه مقامها لدلالة سياق الكلام على أن المراد النميمة ثم حذف الركائب ، قاله الطيبي كما ذكره زكريا .
{ يبغونكم } يقال بغيته كذا طلبته له وأبغيته كذا أعنته على طلبه ، والمعنى يطلبون لكم { الفتنة } أي ما يفتنون به في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد ، وقولهم للمؤمنين لقد جمعوا لكم كذا وكذا ولا طاقة لكم بهم وإنكم ستهزمون منهم وسيظهرون عليكم ، ونحو ذلك من الأحاديث الكاذبة التي تورث الجبن والفشل ، وقيل الفتنة العيب والشر ، وقيل الفتنة هنا الشرك .
{ وفيكم سماعون لهم } أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم ، فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم والفساد لأحوالكم ، قال مجاهد : معناه محدثون لهم بأحاديثكم غير منافقين وهم عيون للمنافقين . انتهى . فعلى هذا يكون المراد فيكم جواسيس منهم يسمعون لهم الأخبار منكم فاللام على الأول للتقوية ، وعلى الثاني للتعليل أي لأجلهم { والله عليم بالظالمين } وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم وكره انبعاثهم معكم .
ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف ، لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن قد علم من أحوالهم لوخرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل ، فعوتب صلى الله عليه وسلم على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب ، ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا } الآية .
وقال في سورة الفتح { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } إلى قوله : { قل لن تتبعونا } وفي الآية وعيد وتهديد للمنافقين الذين يلقون الفتن والشبهات بين المؤمنين ، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد والإشعار بترتبه على الظلم ، قال أبو السعود : ولعله شامل للفريقين السماعين والقاعدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.