الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

قوله تعالى : { لو خرجوا فيكم }[ 47 ] الآية .

المعنى : لو خرج هؤلاء فيكم ، { ما زادوكم } بخروجهم { إلا خبالا }[ 47 ] أي : فسادا{[28879]} { ولأوضعوا خلالكم }[ 47 ] ، أي : ولأسرعوا بركائبهم للسير فيكم .

و " الإيضاع " : ضرب من الإسراع في الخيل والإبل{[28880]} .

وكتبت { ولأوضعوا } بألف زائدة{[28881]} .

وكذلك : { أو{[28882]}لأاذبحنه }{[28883]} .

وكذلك : { لإلى{[28884]} الجحيم }{[28885]} .

والعلة في ذلك : أن الفتحة كانت تكتب قبل العربي{[28886]} ألفا ، فكتبت هذه الحروف على ذلك الأصل ، جعلوا للفتحة صورة فزادوا الألف التي بعد اللام ، والألف الثانية هي صورة الهمزة{[28887]} .

ومعنى { خلالكم }[ 47 ] ، فيما بينكم ، وهي الفُرَج تكون بين القوم في الصفوف{[28888]} .

وقال أبو إسحاق معنى { خلالكم } : فيما يخل بكم ، أي : يسرعوا فيما ينقصكم{[28889]} .

{ يبغونكم الفتنة }[ 47 ] .

أي : يبغونها{[28890]} لكم ، أي : يطلبون ما تفتنون به{[28891]} .

وقيل { الفتنة } هنا : الشرك{[28892]} .

قال ابن زيد : سلى{[28893]} الله عز وجل ، نبيه صلى الله عليه وسلم ، بهذه الآية في تخلف المنافقين عنه ، فأخبره أنهم ضرر لا نفع فيهم{[28894]} .

وقوله : { وفيكم سماعون لهم }[ 47 ] .

أي : فيكم ، يا أصحاب محمد{[28895]} ، من يستمع حديثكم ليخبرهم{[28896]} بذلك ، كأنهم عيون للمنافقين{[28897]} . كذلك قال : مجاهد{[28898]} والحسن{[28899]} وابن زيد{[28900]} .

وقال قتادة المعنى : وفيكم من يستمع كلامهم ويطيعهم ، فلو صحبوكم أفسدوهم عليكم{[28901]} .

{ والله عليم بالظالمين }[ 47 ] .

أي : ذو علم بمن يقبل{[28902]} من كلام المنافقين ، ومن يؤدي إليهم أخبار المؤمنين ، وبغير ذلك{[28903]} .


[28879]:الذي نقل عنه مكي باختصار، "....يقول: لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فسادا وضرا، ولذلك ثبطهم عن الخروج معكم".
[28880]:في جامع البيان 14/278: "وأصله من: "إيضاع الخيل والركاب"، وهو الإسراع بها في السير. يقال للناقة إذا أسرعت السير: "وضعت الناقة تضع وضعا وموضوعا"، و"أوضعها صاحبها": إذا جد بها وأسرع "يوضعها إيضاعا..." انظر تفسير القرطبي 8/100.
[28881]:وهو من جملة ما اختلفت فيه مصاحف أهل الأمصار، فكتبت في بعض المصاحف بغير ألف، وفي بعض بألف. انظر: المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار94. وقال الفراء في معاني القرآن 1/439: {ولأوضعوا}، مجتمع عليه في المصاحف"، ولا دليل يعضده.
[28882]:النمل: 21، والآية بتمامها: {لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو لياتيني بسلطان مبين}. وقبلها: {وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}[19]. وفي الأصل: "أو لأذبحنه"، بغير ألف، وهو خلاف الرسم القرآني.
[28883]:وهو من المجمع على رسمه في مصاحف أهل الأمصار، كما في المقنع 88، ودليل الحيران على مورد الظمآن 150. وقال الفراء، المصدر السابق: "كتبت بالألف وبغير الألف" وهو وهم منه رحمه الله، فتنبه.
[28884]:الصافات: 68، ومستهلها: {ثم إن مرجعهم...} ورد عليها قوله تعالى: {لإلى الله تحشرون} [آل عمران: 158].
[28885]:وهو من الألفاظ المختلف في زيادة الألف فيها وعدم زيادتها. انظر: دليل الحيران على مورد الظمآن 153، 154.
[28886]:في "ر": الغربي، بغين معجمة، وهو تصحيف. وكأنها كذلك في الأصل. والتصويب من معاني القرآن للزجاج.
[28887]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/451.
[28888]:في جامع البيان 14/279: "وأما أصل "الخلال" فهو من "الخَلَل" وهي الفُرج تكون بين القوم، في الصفوف وغيرها. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تراصوا في الصفوف لا يتخللكم [الشياطين، كأنها] أولاد الحَذف".
[28889]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/451، من غير قوله: أي يسرعوا....وضعفه ابن عطية في المحرر 3/41.
[28890]:معاني القرآن للفراء 1/440.
[28891]:جامع البيان 14/279، باختصار. وفيه: "يقال منه: "بغيته الشر"، و"بغيته الخير"، "أبغيه بُغاء"، إذا التمسته له، بمعنى: "بغيت له"....، وإذا أرادوا: أعنتك على التماسه وطلبه، قالوا: "أبغيتك كذا،..".
[28892]:تفسير المشكل من غريب القرآن 186، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة 187، وعنه نقل مكي، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/137، وزاد المسير 3/448، وعزاه إلى مقاتل، وتفسير القرطبي 8/100، وينظر: البحر المحيط 5/51.
[28893]:في الأصل: سلّ وهو خطأ ناسخ.
[28894]:جامع البيان 14/280، بتصرف تام في ألفاظه. وهو في تفسير ابن أبي حاتم 6/1807، والدر المنثور 4/212، بلفظ: "سأل الله" وهو تحريف. وفي فتح القدير 2/418: "....هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين عن تخلف المنافقين".
[28895]:في "ر": صلى الله عليه وسلم.
[28896]:في "ر": فيخبرهم.
[28897]:وهو الاختيار عند الطبري، جامع البيان 14/282: "...لأن الأغلب من كلام العرب في قولهم: "سمّاع"، وصف من وصف به أنه سماع للكلام....وأما إذا وصفوا الرجل بسماع كلام الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه وانتهائه إليه، فإنما تصفه بأنه له سامع مطيع، ولا تكاد تقول: سماع مطيع".
[28898]:جامع البيان 14/281، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1809، وتفسير البغوي 4/56.
[28899]:تفسير الماوردي 2/369.
[28900]:جامع البيان 14/281، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1809، والدر المنثور 4/212.
[28901]:جامع البيان 14/281، وتفسير الماوردي 2/369، وتفسير البغوي 4/56، وزاد المسير 3/448، بزيادة في لفظه. وقوله: "فلو صحبوكم" وهو كلام الطبري، المصدر السابق 282، وتمامه:"....بتثبيطهم إياهم عن السير معكم".
[28902]:في "ر": أفسدتها الرطوبة والأرضة.
[28903]:انظر: جامع البيان 14/282، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/451، فقد استفاد منهما مكي في صياغة قيله.