نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

ولما كان كأنه قيل : ما له ثبطهم وقد كنا قاصدين سفراً{[36477]} بعيداً وعدواً كثيراً شديداً{[36478]} فنحن محتاجون إلى الإسعاد ولو بتكثير السواد ! قيل : و { لو } أي فعل بهم ذلك لأنهم لو { خرجوا فيكم } أي وإن كانوا قليلاً{[36479]} معمورين بجماعاتكم { ما زادوكم } أي بخروجهم شيئاً من الأشياء { إلا خبالاً } أي ما أتوكم بشيء زائد على ما عندكم من الأشياء غير الخبال ، والاستثناء مفرغ والمستثنى منه - المقدر الثابت لهم الاتصاف به - هو الشيء ، وذلك لا يقتضي اتصاف أحد منهم بالخبال قبل خروج المنافقين ، والخبال : الفساد ، وهو ينظر على الخداع والأخد على غرة { ولأوضعوا } أي أوقعوا الإيضاع ، حذف المفعول إشارة إلى أن مرادهم الإيضاع نفسه لا بقيد دابة ، وعبر بالإيضاع لأنه للراكب وهو أسرع من الماشي { خلالكم } أي لأسرعوا في السير ذهاباً وإياباً بينكم في تتبع عوراتكم وانتظار زلاتكم ليجدوا منها مدخلاً إلى الفساد بالنميمة وغيرها إن لم يجدوها ، والإيضاع في السير يكون برفق ويكون بإسراع ، والمراد به هنا الإسراع ، ومادة وضع بجميع تراكيبها تدور على الحركة ، وتارة تكون إلى علو وتارة إلى سفول ، ويلزم ذلك السكونُ والمحلُ القابل لذلك ، وعلى ذلك يتمشى العضو والعوض ، وعَوض الذي هو بمعنى الدهر ، وضوع الريح والتصويت بالبكاء ، والضعة لشجرة في البادية ، والوضع للطرح في مكان والسير اللين والسريع ؛ والخلال {[36480]}جمع الخلل{[36481]} وهو الفرجة{[36482]} { يبغونكم } أي حال كونهم يريدون لكم { الفتنة } أي بتشتيت الشمل وتفريق الأصحاب وتقدم عند

{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }[ الأنفال : 39 ] أنها الخلطة المميلة المحيلة ، أي يريدون لكم الشيء الذي يصيبكم فيغير حالتكم إلى ما يسوءكم فيسرهم { وفيكم } أي والحال أنه فيكم { سماعون لهم } أي في غاية القبول لكلامهم لضعف معارفهم وآرائهم .

وربما كان سماعهم منهم مؤدياً إلى مطلوبهم { والله } أي الذي أخبركم بهذا من حالهم وله الإحاطة بكل شيء { عليم } بهم ، فثقوا بأخبارهم . هكذا كان الأصل وإنما قال : { بالظالمين* } إشارة إلى الوصف الذي أوجب لهم الشقاء بمنعهم عن موطن{[36483]} الخير ، وتعميماً للحكم بالعلم بهم وبمن سمع لهم وبكل ظالم{[36484]} ، والحاصل أنه شبه سعيهم فيهم بالفساد بمن يوضع بعيره في أرض فيها أجرام شاخصة متقاربة ، فهو في غاية الالتفات إلى معرفة ما فيها من الفرج والتأمل لذلك{[36485]} حذراً من أن يصيبه شيء من تلك الأجرام فيسقيه كأس الحمام ، فلا شغل لهم إلا بغية فسادكم{[36486]} بعدم وصولكم إلى شيء من مرادكم .


[36477]:في ظ: سفر.
[36478]:من ظ، وفي الأصل: شديد.
[36479]:في ظ: قليلين.
[36480]:في ظ: خلل.
[36481]:في ظ: خلل.
[36482]:من ظ، وفي الأصل: فرجة.
[36483]:في ظ: مواطن.
[36484]:زيد من ظ.
[36485]:من ظ، وفي الأصل: كذلك.
[36486]:في ظ: فسادهم.