النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

قوله عز وجل : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم ما زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } يعني اضطراباً حكاه ابن عيسى .

والثاني : فساداً ، قاله ابن عباس .

فإن قيل : فلم يكونوا في خبال فيزدادوا بهؤلاء الخارجين خبالاً .

قيل هذا من الاستثناء المنقطع ، وتقديره : ما زادوكم قوة ، ولكن أوقعوا بينكم خبالاً .

{ وَلأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ } أما الإيضاع فهو إسراع السير ، ومنه قول الراجز{[1246]} :

يا ليتني فيها جذع *** أخُبّ{[1247]} فيها وأضَعْ

وأما الخلال فهو من تخلل الصفوف وهي الفُرَج تكون فيها ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ وَلاَ يَتَخَلَّلْكُمْ ، كَأَولاَدِ الحذف{[1248]} يَعْنِي الشَّيَاطِينَ " والخلال هو الفساد ، وفيه هاهنا وجهان :

أحدهما : لأسرعوا في إفسادكم .

والثاني : لأوضعوا الخلف بينكم .

وفي الفتنة التي يبغونها وجهان :

أحدهما : الكفر .

والثاني : اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة .

{ وَفِيكُمْ سمَّاعُونَ لَهُمْ } وفيهم ثلاثة أقاويل :

أحدها : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم ، قاله قتادة وابن إسحاق .

والثاني : وفيكم عيون منكم ينقلون إلى المشركين أخباركم ، قاله الحسن .


[1246]:هو دريد بن الصمة كما في اللسان.
[1247]:الماضي خب من باب نصر ومصدره الخبب وهو ضرب من الجري، وخب الفرس واختب في عدوه إذا رواح بين يديه ورجليه.
[1248]:الحذف: غنم سود ضغار تكون باليمن والحجاز. والحديث أخرجه بألفاظ مشابهة أحمد (نيلي الأوطار 3/213).