الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسناً ومصلحة .

فإن قلت : فلم خطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذن لهم فيما هو مصلحة ؟ قلت : لأنّ إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لم يكن للنظر في هذه المصلحة ولا علمها إلا بعد القفول بإعلام الله تعالى ، ولكن لأنهم استأذنوه في ذلك واعتذروا إليه ، فكان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم ولا يتجوّز في قبولها ، فمن ثم أتاه العتاب ويجوز أن يكون في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإذن لهم مع تثبيط الله إياهم مصلحة أخرى ، فبإذنه لهم فقدت تلك المصلحة ، وذلك أنهم إذا ثبطهم الله فلم ينبعثوا وكان قعودهم بغير إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت عليهم الحجّة ولم تبق لهم معذرة . ولقد تدارك الله ذلك حيث هتك أستارهم وكشف أسرارهم وشهد عليهم بالنفاق ، وأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر .

فإن قلت : ما معنى قوله : { مَعَ القاعدين } ؟ قلت : هو ذمّ لهم وتعجيز ، وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت ، وهم القاعدون والخالفون والخوالف ، ويبينه قوله تعالى : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف } [ التوبة : 87 ، 93 ] . { إِلاَّ خَبَالاً } ليس من الاستثناء المنقطع في شيء كما يقولون لأنَّ الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه ، كقولك : ما زادوكم خيراً إلاّ خبالا ، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور ، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعمّ العام الذي هو الشيء ، فكان استثناء متصلاً ؛ لأنّ الخبال بعض أعمّ العام كأن قيل ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً والخبال الفساد والشر { ولأَوْضَعُواْ خلالكم } ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين .

يقال : وضع البعير وضعاً إذا أسرع وأوضعته أنا ، والمعنى : ولأوضع ركائبهم بينكم ، والمراد الإسراع بالنمائم ؛ لأنّ الراكب أسرع من الماشي . وقرأ ابن الزبير رضي الله عنه : «ولأرقصوا » من رقصت الناقة رقصاً إذا أسرعت وأرقصتها قال :

وَالرَّاقِصَاتِ إلَى مِنى فَالْغَبْغَبِ ***

وقرئ : «ولأوفضوا »

فإن قلت : كيف خطّ في المصحف : ولا أوضعوا ، بزيادة ألف ؟ قلت : كانت الفتحة تكتب إلفاً قبل الخط العربي ، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن ، وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع ، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً ، وفتحتها ألفاً أخرى ، ونحو : أو لا أذبحنه .