البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

الكفل : النصيب ، والنصيب في الخير أكثر استعمالاً .

والكفل في الشر أكثر منه في الخير .

المقيت : المقتدر .

قال الزبير بن عبد المطلب :

وذي ضغن كففت النفس عنه *** وكان على إساءته مقيتاً

أي مقتدراً .

وقال السموءل :

ليت شعري واشعرت إذا ما *** قربوها منشورة ودعيت

أتى الفصل ثم عليّ إذا حو *** سبت أني على الحساب مقيت

وقال أبو عبيدة : المقيت الحاضر .

وقال ابن فارس : المقيت المقتدر ، والمقيت : الحافظ والشاهد .

وقال النحاس : هو مشتق من القوت ، والقوت مقدار ما يحفظ به الإنسان من التلف .

{ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها } قال قوم : من يكن شفيعاً لوتر أصحابك يا محمد في الجهاد فيسعفهم في جهاد عدوّهم يكن له نصيب من الجهاد أو من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين ، فتلك حسنة ، وله نصيب منها .

وحملهم على هذا التأويل ما تقدم من ذكر القتال والأمر به ، وقال قريباً منه الطبري .

وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : هي في حوائج الناس ، فمن يشفع لنفع فله نصيب ، ومن يشفع لضر فله كفل .

وقال الزمخشري : الشفاعة الحسنة هي التي روعي فيها حق مسلم ، ودفع عنه بها شر ، أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله ، ولم يؤخذ عليها رشوة ، وكانت في أمر جائز لا في حد من حدود الله ، ولا حق من الحقوق .

والسيئة ما كان بخلاف ذلك انتهى .

وهذا بسط ما قاله الحسن ، قال : الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة ، والسيئة في المعاصي .

وقيل : الشفاعة الحسنة هي الدعوة للمسلم لأنها في معنى الشفاعة إلى الله تعالى .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له ، وقال له الملك : ولك مثل ذلك النصيب » ولدعوة على المسلم بضد ذلك .

وقال ابن السائب ومقاتل : الشفاعة الحسنة هنا الصلح بين الاثنين ، والسيئة الإفساد بينهما والسعي بالنميمة .

وقيل : الشفاعة الحسنة أن يشفع إلى الكافر حتى يوضح له من الحجج لعله يسلم ، والسيئة أن يشفع إلى المسلم عسى يرتد أو ينافق .

والظاهر أنّ من للسبب أي : نصيب من الخير بسببها ، وكفل من الشر بسببها .

وتقدم في المفردات أن الكفل النصيب .

وسمي المجازي .

وقال أبان بن تغلب : الكفل المثل .

وقال الحسن وقتادة : هو الوزر والإثم ، وغاير في النصيب فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة ، لأنه أكثر ما يستعمل في الشر ، وإن كان قد استعمل في الخير لقوله : { يؤتكم كفلين من رحمته } قالوا : وهو مستعار من كفل البعير ، وهو كساء يدار على سنامه ليركب عليه ، وسمي كفلاً لأنه لم يعم الظهر ، بل نصيباً منه .

{ وكان الله على كل شيء مقيتاً } أي : مقتدراً قاله السدّي وابن زيد والكسائي .

وقال ابن عباس ومجاهد : حفيظاً وشهيداً .

وقال عبد الله بن كثير : واصباً قيماً بالأمور .

وقيل : المحيط .

وقيل : الحسيب .

وقيل : المجازي .

وقيل : المواظب للشيء الدائم عليه .

قال ابن كثير : وهو قول ابن عباس أيضاً .

وهذه أقوال متقاربة لاستلزام بعضها معنى بعض .

وقال الطبري في قوله : إني على الحساب مقيت ، إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة ، وإنه بمعنى موقوت .

وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول .

وقال غيره : معناه مقتدر .

/خ86