{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيِيكم } تقدم الكلام في استجاب في { فليستجيبوا لي } وأفرد الضمير في { دعاكم } كما أفرده في { ولا تولوا عنه } لأنّ ذكر أحدهما مع الآخر إنما هو على سبيل التوكيد والاستجابة هنا الامتثال والدعاء بمعنى التحريض والبعث على ما فيه حياتهم وظاهر { استجيبوا } الوجوب ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : لأبيّ حين دعاه وهو في الصلاة متلبث : « ما منعك عن الاستجابة ألم تخبر فيما أوحي إليّ استجيبوا الله وللرسول » ؟ والظاهر تعلق { لما } بقوله { دعاكم } ودعا يتعدى باللام .
دعوت لما نابني مسوراً *** وقال آخر :
وإن أدع للجلى أكن من حماتها ***
وقيل : اللام بمعنى إلى ويتعلّق باستجيبوا فلذلك قدّره بإلى حتى يتغاير مدلول اللام فيتعلق الحرفان بفعل واحد ، قال مجاهد والجمهور : المعنى { استجيبوا } للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنّعمة السرمديّة ، وقيل : { لما يحييكم } هو مجاهدة الكفار لأنهم لو تركوها لغلبوهم وقتلوهم { ولكم في القصاص حياة } ، وقيل : الشهادة لقوله : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } قاله ابن إسحاق ، وقيل : لما يحييكم من علوم الديانات والشرائع لأنّ العلم حياة كما أنّ الجهل موت .
لا تعجبن الجهول حليته *** فذاك ميّت وثوبه كفن
وهذا نحو من قول الجمهور ومجاهد ، وقال مجاهد أيضاً : { ما يحييكم } هو الحقّ ، وقيل : هو إحياء أمورهم وطيب أحوالهم في الدنيا ورفعتهم ، يقال : حييت حاله إذا ارتفعت ، وقيل : ما يحصل لكم من الغنائم في الجهاد ويعيشون منها ، وقيل : الجثة والذي يظهر هو القول الأوّل لأنه في سياق قوله ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم فالذي يحيا به من الجهل هو سماع ما ينفع مما أمر به ونهى عنه فيمتثل المأمور به ويجتنب المنهي عنه فيؤول إلى الحياتين الطيبتين الدنيوية والأخروية .
{ واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } المعنى : أنه تعالى هو المتصرّف في جميع الأشياء والقادر على الحيلولة بين الإنسان وبين ما يشتهيه قلبه فهو الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاه إذ بيده تعالى ملكوت كل شيء وزمامه وفي ذلك حضّ على المراقبة والخوف من الله تعالى والبدار إلى الاستجابة له ، وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك : { يحول بين } المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقال مجاهد : { يحول بين } المرء وعقله فلا يدري ما يعمل عقوبة على عناده ففي التنزيل { إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي عقل ، وقال السدي : { يحول بين } كل واحد { وقلبه } فلا يقدر على إيمان ولا كفر إلا بإذنه ، وقال ابن الأنباري : بينه وبين ما يتمناه ، وقال ابن قتيبة : بينه وبين هواه وهذان راجعان إلى القول الأول ، وقال علي بن عيسى : هو أن يتوفاه ولأنّ الأجل يحول بينه وبين أمل قلبه وهذا حثّ على انتهاز الفرصة قبل الوفاة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومخالجة أدوائه وعلله وردّه سليماً كما يريده الله فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله انتهى ، وهو على طريقة المعتزلة وعلي بن عيسى هو الرماني وهو معتزلي .
وقيل معناه : أنّ الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ وقيل : يبدل الجبن جراءة وهو تحريض على القتال بعد الأمر به بقوله { استجيبوا } ويكشف حقيقته قوله صلى الله عليه وسلم : « قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبه كيف يشاء وتأويله بين أثرين من آثار ربوبيته »
وقيل : يحول بين المؤمن وبين المعاصي التي يهمّ بها قلبه بالعصمة ، وقيل : معناه أنه يطلع على كل ما يخطر المرء بباله لا يخفى عليه شيء من ضمائره فكأنه بينه وبين قلبه واختار الطبري أن يكون المعنى أنّ الله أخبر أنه أملك لقلوب العباد منهم وأنه يحول بينهم وبينهما إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئته تعالى .
وقرأ ابن أبي إسحاق : { بين المرء } بكسر الميم اتباعاً لحركة الإعراب إذ في المرء لغتان : فتح الميم مطلقاً واتباعها حركة الإعراب ، وقرأ الحسن والزهري : بين المرّ بتشديد الراء من غير همز ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الراء وحذف الهمزة ثم شدّدها كما تشدّد في الوقف وأجرى الوصل مجرى الوقف وكثيراً ما تفعل العرب ذلك تُجري الوصل مجرى الوقف ، وهذا توجيه شذوذ { وأنه إليه تحشرون } الظاهر أن الضمير في { أنه } عائد إلى الله ويحتمل أن يكون ضمير الشأن ولما أمرهم بأن يعلموا قدرة الله وحيلولته بين المرء ومقاصد قلبه أعلمهم بأنه تعالى إليه يحشرهم فيثيبهم على أعمالهم فكان في ذلك تذكار لما يؤول إليه أمرهم من البعث والجزاء بالثواب والعقاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.