أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

شرح الكلمات :

{ فاسق بنبأ } : أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن .

{ فتبيّنوا } : أي تثبتوا قبل أن تقولوا أن تفعلوا أو تحكموا .

{ أن تصيبوا قوما بجهالة } : أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم .

{ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } : أي فتصيروا على فعلكم الخاطئ نادمين .

المعنى :

وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق ( 6 ) { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } هذه الآية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم ، وكان بينهم وبين أسرة الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهموا بقتله فهرب منهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهمَّ بغزوهم .

وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم يسترضي رسول الله ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل إليهم قبل المغرب فإِذا بهم يؤذنون ويصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير والحمد لله . وجاء بالزكوات وأنزل الله تعالى هذه الآية قلت إن هذه الآية وإن نزلت في سبب معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن لا يقبلوا من الأخبار التي تنقل إليهم ولا يعملوا بمقتضاها إلا بعد التثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فرداً أو جماعة بسوء بدون موجب لذلك ولا مقتضٍ إلا قالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب مصلحة أو دفع مضرة عنه . فالأخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف بالتقوى والاستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الأفراد وحماية لأرواحهم وأموالهم . والحمد لله على شرع عادل رحيم كهذا . فقوله { إن جاءكم فاسق } المراد بالفاسق من يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثلا ، والنبأ الخبر ذو الشأن والتبيّن التثبت وقوله { أن تصيبوا قوما بجهالة } أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله { فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } أي من جرَّاء ما اتخذتم من أجراء خاطئ .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب التثبت في الأخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه ، وحرمة التسرع المفضي بالأخذ لاظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والآخرة .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

{ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ زكاتهم فروى أنه كان معاديا لهم فأراد إذايتهم فرجع من بعض طريقه فكذب عليهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إنهم قد منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ونظر في ذلك فورد وفدهم منكرين لذلك " . وروي : أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلفين له فرآهم على بعد ففزع منهم وظن بهم الشر فانصرف فقال ما قال . وروي : أنه بلغه أنهم قالوا : لا نعطيه صدقة ولا نطيعه فانصرف وقال ما قال ، فالفاسق المشار إليه في الآية هو الوليد بن عقبة لم يزل بعد ذلك يفعل أفعال الفساق حتى صلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات وهو سكران ثم قال لهم : أزيدكم إن شئتم ، ثم هي باقية في كل من اتصف بهذه الصفة إلى آخر الدهر ، وقرئ فتبينوا من التبين وتثبتوا بالثاء من التثبت ويقوي هذه القراءة أنها لما نزلت روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " ، واستدل بهذه الآية القائلون بقبول خبر الواحد ، لأن دليل الخطاب يقتضي أن خبر الفاسق مقبول ، قال المنذر البلوطي : وهذه الآية ترد على من قال إن المسلمين كلهم عدول ، لأن الله أمر بالتبين قبل القبول ، فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقا .

{ أن تصيبوا قوما بجهالة } في موضع المفعول من أجله تقديره : مخافة أن تصيبوا قوما بجهالة ، والإشارة إلى قتال بني المصطلق لما ذكر عنهم الوليد ما ذكر .