أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

شرح الكلمات :

{ فلذلك فادع } : أي فإلى ذلك الدين الذي شرع الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك يا محمد فادع عباد الله .

{ واستقم كما أمرت } : أي استقم على العمل به ولا تزغ عنه واثبت عليه كما أمرك الله .

{ ولا تتبع أهواءهم } : أي ولا تتبع أهواء المشركين وأهل الكتاب فتترك الحنيفية التي بعثت بها فإنها الحق .

{ وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب } : أي ولست كالذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض .

{ وأمرت لأعدل بينكم } : أي أمرني ربي أن أحكم بينكم بالعدل الذي هو خلاف الجور .

{ الله ربنا وربكم } : أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم وإلهنا وإلهكم .

{ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } : وسيجزى كل منا بعمله خيراً كان أو شراً .

{ لا حجة بيننا وبينكم } : أي ما هناك حاجة إلى المحاجة الآن بعد ظهور الحق .

{ الله يجمع بيننا } : أي يوم القيامة .

المعنى :

قوله تعالى : { فلذلك فادع } أي فإلى ذلك الدين الحق الذي هو الإِسلام الذي شرعه الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين الله الذي لا يقبل دينا سواهن ولا يكمل الإِنسان في أخلاقه ومعارفه وآدابه ولا يسعد في الدارين إلا عليه واستقم عليه كما أمرك ربك ، فلا تزغ عنه ولا تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ولا تتبع أهواء المشركين ولا أهواء أهل الكتاب . وقل في صراحة ووضوح آمنت بما أنزل الله من كتاب فلا أُومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى ، وقل لهم أمرني ربى أن أعدل بينكم في الحكم إذا تحاكمتم إليَّ ، كما أنى لا أفرق بينكم إذا اعتبركم على الكفر سواء فكل من لم يكن على الإِسلام الذي كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذي عليه أنا وأصحابي اليوم فهو كافر من أهل النار .

وقوله تعالى { الله ربنا وربكم } أي أمرني أن أقول لكم هذا الله ربنا وربكم إذْ لا رب سواه فهو رب كل شيء ومليكه ، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وسَيُجْزى كل منا بعمله السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها ، إلا أن الكافر لا تكون له حسنة مادام قد كفر بأصل الدين فلم يؤمن بالله ولقائه ، ولا بوحيه ولا برسوله وقوله { لا حجة بيننا وبينكم } أي اليوم إذ ظهر الحق ولاح الصبح لذي عينين فلا داعي إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى الله يجمع بيننا يوم القيامة إذ المصير في النهاية إليه لا إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضى لأهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضى لأهل الباطل بالنار والخلود فيها .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب الدعوة إلى الإِسلام بين أمم العالم إذ لا نجاة للبشرية إلا بالإِسلام .

- حرمة اتباع أهواء أهل الأهواء والسير معهم وموافقتهم في باطلهم .

- وجوب الاستقامة على الإِسلام عقائد وعبادات وأحكام قضائية وآداب وأخلاق .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (15)

قوله تعالى : " فلذلك فادع واستقم كما أمرت " لما أجاز أن يكون الشك لليهود والنصارى ، أو لقريش قيل له : " فلذلك فادع " أي فتبينت شكهم فادع إلى الله ، أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به . فاللام بمعنى إلى ، كقوله تعالى : " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة : 5 ] أي إليها . و " ذلك " بمعنى هذا . وقد تقدم أول " البقرة " {[13479]} . والمعنى فلهذا القرآن فادع . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع . وقيل : إن اللام على بابها ، والمعنى : فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم . قال ابن عباس : أي إلى القرآن فادع الخلق . " واستقم " خطاب له عليه السلام . قال قتادة : أي استقم على أمر الله . وقال سفيان : أي استقم على القرآن . وقال الضحاك : استقم على تبليغ الرسالة . " ولا تتبع أهواءهم " أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك . " وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم " أي أن أعدل ، كقوله تعالى : " وأمرت أن أسلم لرب العالمين " {[13480]} [ غافر : 66 ] . وقيل : هي لام كي ، أي لكي أعدل . قال ابن عباس وأبو العالية : لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول . وقال غيرهما : لأعدل في جميع الأحوال وقيل : هذا العدل هو العدل في الأحكام . وقيل في التبليغ . " الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم " قال ابن عباس ومجاهد : الخطاب لليهود ، أي لنا ديننا ولكم دينكم . قال : نسخت بقوله : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " {[13481]} [ التوبة : 29 ] الآية . قال مجاهد : ومعنى " لا حجة بيننا وبينكم " لا خصومة بيننا وبينكم . وقيل : ليس بمنسوخ ؛ لأن البراهين قد ظهرت ، والحجج قد قامت ، فلم يبق إلا العناد ، وبعد العناد لا حجة ولا جدال . قال النحاس : ويجوز أن يكون معنى " لا حجة بيننا وبينكم " على ذلك القول : لم يؤمر أن يحتج عليكم يقاتلكم ، ثم نسخ هذا . كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة : لا تصل إلى الكعبة ، ثم . حول الناس بعد ، لجاز أن يقال نسخ ذلك . " الله يجمع بيننا " يريد يوم القيامة . " وإليه المصير " أي : فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه ، ويجازي كلا بما كان عليه . وقيل : إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة ، وقد سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش ، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته .


[13479]:راجع ج 1 ص 157 طبعة ثانية أو ثالثة.
[13480]:آية 66 سورة غافر.
[13481]:آية 29 سورة التوبة.