التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (106)

{ من كفر بالله } ، { من } شرطية فيم وضع رفع بالابتداء . وكذلك { من } في قوله : { من شرح } ؛ لأنه تخصيص من الأول وقوله : { فعليهم غضب } ، جواب عن الأولى والثانية ؛ لأنهما بمعنى : واحدا أو يكون جوابا للثانية ، وجواب الأولى محذوف يدل عليه جواب الثانية ، وقيل : من كفر بدل من الذين لا يؤمنون أو من المبتدأ في قوله : { أولئك هم الكاذبون } [ النحل : 105 ] أو من الخبر .

{ إلا من أكره } ، استثنى من قوله : { من كفر } ، وذلك أن قوما ارتدوا عن الإسلام ، فنزلت فيهم الآية ، وكان فيهم من أكره على الكفر فنطق بكلمة الكفر ، وهو يعتقد الإيمان منهم : عمار بن ياسر ، وصهيب ، وبلال فعذرهم الله ، روي : أن عمار بن ياسر شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع به من العذاب وما تسامح به من القول ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف تجد قلبك ، قال أجده مطمئنا بالإيمان ، قال فأجبهم بلسانك ، فإنه لا يضرك " . وهذا الحكم في من أكره بالنطق على الكفر ، وأما الإكراه على فعل هو كفر ، كالسجود للصنم فاختلف هل تجوز الإجابة إليه أم لا ؟ فأجازه الجمهور ، ومنعه قوم وكذلك قال مالك : لا يلزم المكره يمين ولا طلاق ولا عتق ولا شيء فيما بينه وبين الله ، ويلزمه ما كان من حقوق الناس ، ولا تجوز الإجابة إليه كالإكراه على قتل أحد أو أخذ ماله .