الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (106)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : «لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة ، قال لأصحابه : تفرقوا عني ، فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل ، ومن لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل ، فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض ، فالحقوا بي . فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت ، فأصبحوا بمكة فأخذهم المشركون وأبو جهل ، فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى ، فجعلوا يضعون درعاً من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه ، فإذا ألبسوها إياه قال : أحد . . أحد . . وأما خباب ، فجعلوا يجرونه في الشوك ، وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيةً ، وأما الجارية ، فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ، ثم مدها فأدخل الحربة في قبلها حتى قتلها ، ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار ، فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بالذي كان من أمرهم ، واشتد على عمار الذي كان تكلم به . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت : أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا ؟ قال : لا . قال : وأنزل الله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } » .

وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه قال : «أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر آلهتهم بخير ، ثم تركوه . فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : شر ، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان . قال : إن عادوا فعد . فنزلت : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } » .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين : «إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عماراً وهو يبكي ، فجعل يمسح عن عينيه ويقول : أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا . . . فإن عادوا فقل ذلك لهم » .

وأخرج ابن سعد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، قال : ذلك عمار بن ياسر ، وفي قوله : { ولكن من شرح بالكفر صدراً } ، قال : ذاك عبد الله بن أبي سرح .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن أبي مالك في قوله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، قال : نزلت في عمار بن ياسر .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحكم : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، قال : نزلت في عمار .

وأخرج ابن جرير عن السدي ، أن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثم ارتد فلحق بالمشركين ، ووشى بعمار وخباب عند ابن الحضرمي ، أو ابن عبد الدار فأخذوهما وعذبوهما حتى كفرا ، فنزلت : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .

وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر وابن مردويه ، عن أبي المتوكل الناجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر إلى بئر للمشركين يستقي منها ، وحولها ثلاث صفوف يحرسونها ، فاستقى في قربة ثم أقبل ، فأخذوه فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر ، فأنزلت هذه الآية فيه : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .

وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ، نزلت في عمار بن ياسر ، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر وقالوا : اكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . فاتبعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت . . .

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : نزلت هذه الآية : { إلا من أكره } ، في عياش بن أبي ربيعة .