اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (106)

قوله تعالى : { مَن كَفَرَ بالله } ، يجوز فيه أوجه :

أحدهما : أن يكون بدلاً من " الَّذينَ لا يُؤمِنُونَ " ، أي : إنَّما يفتري الكذب من كفر ، واستثنى منهم المكره ، فلم يدخل تحت الافتراء .

الثاني : أنه بدل من " الكَاذبُونَ " .

الثالث : أنه بدلٌ من " أوْلئِكَ " ، قاله الزمخشري .

فعلى الأول يكون قوله : { وأولئك هُمُ الكاذبون } جملة معترضة بين البَدَل والمُبْدَل منه .

واستضعف أبو حيَّان الأوجه الثلاثة ؛ فقال : " لأن الأوَّل يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بالله من بعد إيمانه ، والوجود يقتضي أن المفتري هو الذي لا يؤمن بالله سواء كان ممن كفر بعد إيمانه أو كان ممن لم يؤمن قطّ ؛ بل الأكثر الثاني ، وهو المفتري .

قال : وأما الثاني : فيؤول المعنى إلى ذلك ؛ إذ التقدير : وأولئك ، أي : الذين لا يؤمنون هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، والذين لا يؤمنون هم المفترون .

وأما الثالث : فكذلك ؛ إذ التقدير : أن المشار إليهم هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، مخبراً عنهم بأنهم الكاذبون " .

الوجه الرابع : قال الزمخشري : " أن ينتصب على الذَّمِّ " .

قال ابن الخطيب{[20073]} : وهو أحسن الوجوه عندي وأبعدها من التَّعسُّف .

الخامس : أن يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر على الذَّمِّ .

السادس : أن يرتفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : فعليهم غضب ؛ لدلالة ما بعد " مَنْ " الثانية عليه .

السابع : أنها مبتدأ أيضاً ، وخبرها وخبر " مَنْ " الثانية قوله : " فَعَليْهم غَضب " .

قال ابن عطية رحمه الله : " إذ هو واحد بالمعنى ؛ لأنَّ الإخبار في قوله - تعالى- : { مَن كَفَرَ بالله } إنَّما قصد به الصنف الشارح بالكفر " .

قال أبو حيَّان{[20074]} : " وهذا وإن كان كما ذكر ، إلا أنَّهما جملتان شرطيتان ، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك ، فلابدَّ لكل واحدة منهما على انفرادها من جواب لا يشتركان فيه ، فتقدير الحذف أجرى على صناعة الإعراب ، وقد ضعَّفوا مذهب الأخفش في ادِّعائه أن قوله - تعالى - : { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين } [ الواقعة : 91 ] وقوله - جل ذكره- : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [ الواقعة : 89 ] جواب ل " أمَّا " و " إنْ " ، هذا ، وهما أداتا شرط وليست إحداهما الأخرى " .

الثامن : أن تكون " مَنْ " شرطية ، وجوابها مقدَّر ، تقديره : فعليهم غضبٌ ؛ لدلالة ما بعد " مَنْ " الثانية عليه ، وقد تقدَّم أن ابن عطيَّة جعل الجزاء لهما معاً ، وتقدم الكلام معه فيه .

قوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } فيه أوجه :

أحدها : أنه مستثنى مقدم من قوله : " فأولئك عليهم غضب " ، وهذا يكون فيه منقطعاً ؛ لأن المكره لم يشرح بالكفر صدراً .

وقال أبو البقاء : وقيل : ليس بمقدَّم ؛ فهو كقول لبيد : [ الطويل ]

ألاَ كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللهَ بَاطلُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[20075]}

فظاهر كلامه يدلُّ على أن بيت لبيد لا تقديم فيه ، وليس كذلك ؛ فإنه ظاهر في التقديم جدًّا .

الثاني : أنه مستثنى من جواب الشرط ، أو من خبر المبتدأ المقدَّر ، تقديره : فعليهم غضب من الله إلا من أكره ، ولذلك قدر الزمخشري جزاء الشَّرط قبل الاستثناء ، وهو استثناء متصل ؛ لأنَّ الكفر يكون بالقول من غير اعتقاد كالمكره ، وقد يكون - والعياذ بالله - باعتقاد ، فاستثنى الصنف الأول .

{ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ } ، جملة حاليَّة ، { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } في هذه الحالة ، وهذا يدلُّ على أن محلَّ الإيمان القلب ، والذي [ محله ]{[20076]} القلب إما الاعتقاد ، وإما كلام النَّفس ؛ فوجب أن يكون الإيمان عبارة : إما عن المعرفة ، وإما عن التصديق بكلام النَّفس .

قوله تعالى : { ولكن مَّن شَرَحَ } ، الاستدراك واضح ؛ لأن قوله : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } ، قد يسبق الوهم إلى الاستثناء مطلقاً ، فاستدرك هذا ، وقوله : { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ } ، لا ينفي ذلك الوهم ، و " مَنْ " إما شرطية أو موصولة ، ولكن متى جعلت شرطية ، فلابدَّ من إضمار مبتدأ قبلها ؛ لأنه لا يليها الجمل الشرطيَّة ، قاله أبو حيَّان ، ثم قال : ومثله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولكِنْ مَتى يَسْترفِدِ القَوْمُ أرْفدِ{[20077]}

أي : ولكن أنا متى يسترفد القوم .

وإنَّما لم تقع الشرطية بعد " لكِنْ " ؛ لأنَّ الاستدراك لا يقع في الشروط ، هكذا قيل ، وهو ممنوع .

وانتصب " صَدْراً " على أنه مفعول للشرح ، والتقدير : ولكن من شرح بالكفر صدره ، وحذف الضمير ؛ لأنه لا يشكل بصدر غيره ؛ إذ البشر لا يقدر على شرح صدر غيره ، فهو نكرةٌ يراد بها المعرفة ، والمراد بقوله : { مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } ، أي : فتحه ووسعه لقبُول الكفر .

فصل

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : نزلت هذه الآية في عمَّار بن ياسر ؛ وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسر وأمَّه سميَّة وصهيباً وبلالاً وخبَّاباً وسالماً فعذبوهم .

وأما سميَّة : فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ في قُبُلها بحربة ، فقتلت وقتل زوجها ، وهما أول قتيلين في الإسلام - رضي الله عنهما{[20078]}- .

وقال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وخبَّاب ، وصهيب ، وبلال ، وعمَّار ، وسميَّة - رضي الله عنهم- .

أما الرَّسول صلى الله عليه وسلم فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر - رضي الله عنه - فمنعه قومه ، وأخذ الآخرون ، وألبسوا الدروع الحديد ، ثم أجلسوهم في الشمس ، فبلغ منهم الجهد لحرِّ الحديد والشمس ، وأتاهم أبو جهل يشتمهم ويشتم سميَّة ، ثم طعنها في فرجها بحربة{[20079]} .

وقال آخرون : ما نالوا منهم غير بلال ؛ فإنهم جعلوا يعذِّبونه ، ويقول : أحَدٌ أحَدٌ ، حتى ملوه فتركوه .

وقال خبَّاب : ولقد أوقدوا لي ناراً ما أطفأها إلا ودك ظهري ، وقال مقاتل : نزلت في جبر مولى عامر الحضرمي ، أكرهه سيِّده على الكفر ، فكفر مكرهاً وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ، ثم أسلم مولى جبر وحسن إسلامهما ، وهاجر جبر مع سيِّده .

فصل

الإكراه الذي يجوز عنده التلفُّظ بكلمة الكفر : هو أن يعذَّب بعذابٍ لا طاقة له به ، مثل : التَّخويف بالقتل ، ومثل الضَّرب الشَّديد ، والإتلافات القويَّة ، وأجمعوا على أن عند ذكر كلمة الكفر يجب عليه أن يبرئ قلبه عن الرِّضا ، وأن يقتصر على التَّعريضات ؛ مثل أن يقول : إن محمداً كذَّاب ، ويعني عند الكفار ، أو يعني به محمَّداً آخر ، أو يذكره على نيَّة الاستفهام بمعنى الإنكار ، وهنا بحثان :

الأول : أنه إذا أعجله من أكرهه عن إحضار هذه النيَّة ، أو لأنه لمَّا عظم خوفه زال عن قلبه ذكر هذه النيَّة كان ملوماً وعفو الله متوقَّع .

البحث الثاني : لو ضيَّق المكره الأمر عليه وشرح له أقسام التَّعريضات ، وطلب منه أن يصرِّح بأنه ما أراد شيئاً منها ، وما أراد إلاَّ ذلك المعنى - فههنا يتعيَّن إما التزام الكذب ، وإما تعريض النفس للقتل ، فمن الناس من قال : يباح له الكذب ههنا ، ومنهم من قال : ليس له ذلك ، وهو الذي اختاره القاضي ؛ قال : لأن الكذب إنما يقبح لكونه كذباً ، فوجب أن يقبح على كل حال ، ولو جاز أن يخرج عن القبح لرعاية بعض المصالح ، لم يمنع أن يفعل الله الكذب لرعاية بعض المصالح ، وحينئذٍ لا يبقى وثوق بوعد الله ولا وعيده ؛ لاحتمال أنَّه فعل ذلك الكذب لرعاية بعض المصالح التي لا يعرفها إلا الله - تعالى - .

فصل

أجمعوا على أنه لا يجب عليه التكلم بكلمة الكفر ، ويدل عليه وجوه :

أحدها : أن بلالاً صبر على العذاب ، وكان يقول : أحد أحد ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما صنعت ، بل عظَّمه عليه ، فدل ذلك على أنه لا يجب التكلُّم بكلمة الكفر .

وثانيها : ما روي أن مسيلمة الكذَّاب أخذ رجلين ، فقال لأحدهما : ما تقول في محمَّد ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما تقول فيَّ ؟ قال : أنت أيضاً ، فتركه ، وقال للآخر : ما تقول في محمد ؟ قال : رسول الله ، فقال : ما تقول فيَّ ؟ قال : أنا أصمُّ ، فأعاد عليه ثلاثاً ، فأعاد جوابه ، فقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما الأول فقد أخذ برخصة الله ، وأما الثاني : فقد صدع بالحقِّ ، فهنيئاً له ، فسمَّى التلفظ بكلمة الكفر رخصة ، وعظَّم حال من أمسك عنه حتى قتل .

وثالثها : أن بذل [ النفس ]{[20080]} {[20081]} في تقرير الحق أشق ، فوجب أن يكون أكثر ثواباً ؛ لقوله - صلوات الله وسلامه عليه- : " أفْضَلُ العِبادَاتِ أحْمزُهَا " {[20082]} أي : أشقُّها .

ورابعها : أن الذي أمسك عن كلمة الكفر طهَّر قلبه ولسانه عن الكفر ، وأمَّا الذي تلفَّظ بها فهب أن قلبه طاهرٌ ، إلا أنَّ لسانه في الظاهر قد تلطخ بتلك الكلمة الخبيثة ؛ فوجب أن يكون حال الأول أفضل .

فصل

الإكراه له مراتب :

أحدها : أن يجب الفعل المكروه عليه ؛ كما لو أكره على شرب الخمر ، وأكل الخنزير ، وأكل الميتة ، فإذا أكره عليه بالسَّيف فهاهنا ، يجب الأكل ؛ وذلك لأن صون الرُّوح عن الفواتِ واجبٌ ، ولا سبيل إليه في هذه الصورة إلا بالأكل ، وليس في هذا الأكل ضررٌ على حيوان ، وإلا إهانةٌ لحقِّ الله ، فوجب أن يجب ؛ لقوله - تعالى - : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } [ البقرة : 195 ] .

المرتبة الثانية : أن يصير ذلك كالفعل مباحاً ولا يصير واجباً ؛ كما لو أكره على التلفُّظ بكلمة الكفر ، فههنا يباح له ذلك ، ولكنه لا يجب .

المرتبة الثالثة : أنه لا يجب ولا يباح ، بل يحرم ؛ كما لو أكرهه إنسان على قتل إنسان ، أو على قطع عضو من أعضائه ، فههنا يبقى الفعل على الحرمةِ الأصلية ، وهل يسقط القصاص عن المكره أم لا ؟ .

قال الشافعي - رضي الله عنه - في أحد قوليه : يجب القصاص ؛ لأنَّه قتله عمداً عدواناً ، فوجب عليه القصاص ؛ لقوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى } [ البقرة : 178 ] ، وأيضاً : أجمعنا على أن المكره إذا قصد قتله فإنَّ له أن يدفعه عن نفسه ولو بالقتل ، فلما كان يوهم إقدامه على القتل ، أوجب إهدار دمه ، فلأن يكون عند صدور القتل عنه حقيقة يصير دمه مهدراً أولى .

فصل

من الأفعال ما يمكن الإكراه عليه كالقتل والتكلم بكلمة الكفر ، ومنها ما لا يقبل الإكراه ، قيل : وهو الزِّنا ؛ لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد ، وذلك يمنعُ من انتشار الآلة ، فحيث دخل الزِّنا في الوجود ، دل على أنَّه وقع بالاختيار لا على سبيل الإكراه .

وقيل : الإكراه على الزِّنا مقصور ؛ كما لو انتشر ذكره وهو نائمٌ فاستدخلته المرأة في تلك الحالة ، أو كان به مرض الانتصاب ، فلا يزال منتشراً ، أو علم أنَّه لا يخلص من الإكراه إلا باستحضار الأسباب الموجبة للانتشار .

فصل

قال القرطبي{[20083]} - رحمه الله تعالى - : ذهب بعض العلماء إلى أنَّ الرُّخصة إنما جاءت في القول ، وأما في الفعل فلا رخصة فيه ؛ مثل أن يكره على السُّجود لغير الله تعالى أو الصَّلاة لغير القبلة ، أو قتل مسلم ، أو ضربه ، أو أكل ماله ، أو الزِّنا ، أو شرب الخمر ، أو أكل الرِّبا ، روي ذلك عن الحسن البصري ، وهو قول الأوزاعي والشافعي وبعض المالكيَّة - رضي الله تعالى عنهم- .

فصل

قال القرطبي : وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان :

الأول : أن يبيع ماله في حق وجوب عليه ، فذلك ماضٍ سائغ لا رجوع فيه ؛ لأنَّه يلزمه أداء الحقِّ من غير المبيع ، وأما بيع المكره ظلماً أو قهراً ، فذلك لا يجوز عليه ، وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن ، ويتبع المشتري بالثَّمن ذلك الظالم ، فإنْ فات المتاع ، رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم لظلمه ، وأما يمين المكره فغير لازمةٍ عند مالك والشافعي - رضي الله عنهما - وأكثر العلماء ، قال ابن العربي : " واختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع أم لا ؟ " .

قال ابن العربي رحمه الله : " وأي فرقٍ بين الإكراه على اليمين في أنَّها لا تلزم ، وبين الحنث في أنه لا يقع " .

فصل

إذا أكره الرَّجل على أن يحلف وإلاَّ أخذ ماله ، فقال مالك : لا تقيَّة في المال ، فإنَّما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه .

وقال ابن الماجشون : " لا يحنث وإن درأ عن ماله أيضاً " .

قال القرطبي{[20084]} : وأجمع العلماء على أنَّ من أكره على الكفر فاختار القتل ، أنَّه يكون أعظم أجراً عند الله ممَّن اختار الرخصة " .

فصل

قال الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما - : لا يقع طلاق المكره ، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يقع .

واستدلَّ الشافعي - رضي الله عنه - بقوله - تعالى - : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين } [ البقرة : 256 ] ، ولا يمكن أن يكون المراد نفي ذاته ؛ لأن ذاته موجودة ؛ فوجب حمله على نفي آثاره ، أي : لا أثر له ولا عبرة به ، وقال - صلوات الله وسلامه عليه- : " رُفِعَ عن أمَّتي الخَطأ والنِّسيَانُ وما اسْتكْرِهُوا عليْهِ " .

وقال - عليه الصلاة والسلام- : " لا طَلاقَ في إغلاقٍ " {[20085]} ، أي : إكراه .

فإن قالوا طلقها ، فيدخل تحت قوله - تعالى- : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ } [ البقرة : 230 ] .

فالجواب : لمَّا تعارضت الدلائل ، وجب أن يبقى ما كان على ما كان هو لنا .

فصل

قال القرطبي - رحمه الله- : " وأما نكاح المكره : فقال سحنون : أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة وقالوا : لا يجوز المقام عليه ؛ لأنَّه لم ينعقد ، فإن وطئها المكره على النِّكاح ، لزمه المسمَّى من الصَّداق ولا حد عليه " .

قوله : { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله } ، أي : إنه - تعالى - حكم عليهم بالعذاب ، ثم وصف ذلك العذاب فقال - تعالى- : { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .


[20073]:ينظر: الفخر الرازي 20/97.
[20074]:ينظر: البحر المحيط 5/520 ـ 521.
[20075]:تقدم.
[20076]:في ب: في.
[20077]:تقدم.
[20078]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/86).
[20079]:ذكره الرازي في "تفسيره" (20/97).
[20080]:في أ: الحق.
[20081]:زيادة من: أ.
[20082]:ذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" رقم (193) وقال: قال المزي: هو من غرائب الأحاديث ولم يرو في شيء من الكتب الستة انتهى، وهو منسوب في النهاية لابن الأثير لابن عباس بلفظ: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال أحمزها، وهو بالمهلة والزاي أي أقواها وأشدها، وفي الفردوس مما عزاه لعثمان بن عفان مرفوعا: أفضل العبادات أخفها، فيجمع بينهما على تقدير ثبوتهما بأن القوة والشدة بالنظر لتبين شروط الصحة ونحوها فيها، والخفة بالنظر لعدم الإكثار بحيث تمل، ولكن الظاهر أن لفظ الثاني العيادة بالتحتانية لا بالموحدة ويروى عن جابر رفعه: أفضل العيادة أجرا سرعة القيام من عند المريض، وفي فضائل العباس لابن المظفر من حديث هود بن عطاء سمعت طاوسا يقول: أفضل العيادة ما خف منها، ومن الآثار في تخفيف العيادة ـ مما هو في سادس المجالسة للدينوري من جهة شيبان ـ عن أبي هلال قال عاد قوم بكربن عبد الله المزني فأطالوا الجلوس، فقال لهم بكر: إن المريض ليعاد والصحيح يزار، ومن جهة الأصمعي قال: عاد قوم مريضا في بني يشكر فأطالوا عنده فقال لهم: إن كان لكم في الدار حق فخذوه، ومن جهة الأصمعي أيضا قال: مرض أبو عمرو بن العلاء فأتى أصحابه إلا رجلا منهم ثم جاءه بعد ذلك، فقال إني أريد أن أسامرك الليلة فقال: أنت معافى وأنا مبتلى فالعافية لا تدعك تسهر، والبلاء لا يدعني أنام، والله أسأل أن يسوق إلى أهل العافية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر.
[20083]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 10/120.
[20084]:ينظر: المصدر السابق 10 /124.
[20085]:أخرجه أحمد (6/276) وأبو داود (2193) من حديث عائشة.