النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (106)

قوله عز وجل : { مَن كفر بالله من بعد إيمانه } ، ذكر الكلبي أنها نزلت في عبد الله بن أبي سرح ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن خطل{[1772]} ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، كفروا بعد إيمانهم ، ثم قال تعالى : { إلا من أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان } ، قال الكلبي : نزل ذلك في عمار بن ياسر ، وأبويه ياسر وسُمية ، وبلال وصهيب وخبّاب ، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان .

ثم قال تعالى : { ولكن من شرح بالكُفْر صدراً } ، وهم من تقدم ذكرهم ، فإذا أكره على الكفر فأظهره بلسانه وهو معتقد الإيمان بقلبه ليدفع عن نفسه بما أظهر ، ويحفظ دينه بما أضمر فهو على إيمانه ، ولو لم يضمره لكان كافراً .

وقال بعض المتكلمين : إنما يجوز للمكرَه إظهارُ الكفر على وجه التعريض دون التصريح الباتّ . لقبح التصريح بالتكذيب وخطره في العرف والشرع ، كقوله : إن محمداً كاذب في اعتقادكم ، أو يشير لغيره ممن يوافق اسمه لاسمه إذا عرف منه الكذب ، وهذا لعمري أولى الأمرين ، ولم يَصِرِ المكرَه بالتصريح كافر{[1773]} .


[1772]:في الأصول: عبد الله بن أنس بن خطل وهو تحريف.
[1773]:سقط من ق.