التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

{ ذلك الكتاب } هو هنا القرآن ، وقيل : التوراة والإنجيل ، وقيل : اللوح المحفوظ وهو الصحيح الذي يدل عليه سياق الكلام ويشهد له مواضع من القرآن والمقصود منها إثبات أن القرآن من عند الله كقوله : { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } [ السجدة :2 ] يعني القرآن باتفاق ، وخبر { ذلك } : { لا ريب فيه } ، وقيل : خبره الكتاب فعلى هذا { ذلك الكتاب } جملة مستقلة فيوقف عليه .

{ لا ريب فيه } أي : لا شك أنه من عند الله في نفس الأمر في اعتقاد أهل الحق ، ولم يعتبر أهل الباطل ، وخبر لا ريب فيه ، فيوقف عليه ، وقيل : خبرها محذوف فيوقف على { لا ريب } والأول أرجح لتعينه في قوله : { لا ريب } في مواضع أخر ، فإن قيل : فهلا قدم قوله : { فيه } على { الريب } كقوله : { لا فيها غول } [ الصافات :47 ] ؟ فالجواب : أنه إنما قصد نفي الريب عنه . ولو قدم فيه : لكان إشارة إلى أن ثم كتاب آخر فيه ريب ، كما أن { لا فيها غول } إشارة إلى أن خمر الدنيا فيها غول وهذا المعنى يبعد قصده فلا يقدم الخبر .

{ هدى } هنا بمعنى الإرشاد لتخصيصه بالمتقين ، ولو كان بمعنى البيان لعم كقوله : { هدى للناس } [ البقرة :185 ] وإعرابه خبر ابتداء أو مبتدأ وخبره فيه ، عندما يقف على { لا ريب } ، أو منصوب على الحال والعامل فيه الإشارة .

{ للمتقين } مفتعلين من التقوى ، وقد تقدم معناه في الكتاب ، فنتكلم عن التقوى في ثلاثة فصول :

الأول : في فضائلها المستنبطة من القرآن

وهي خمس عشرة : الهدى كقوله : { هدى للمتقين } .

والنصرة ، لقوله : { إن الله مع الذين اتقوا }[ النحل :128 ] .

والولاية لقوله : { الله ولي المتقين }[ الجاثية :19 ] .

والمحبة لقوله : { إن الله يحب المتقين } [ التوبة :4 ]

والمغفرة لقوله : { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا }[ الأنفال :29 ] .

والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب لقوله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا }[ الطلاق :4 ] .

وتيسير الأمور لقوله : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا }[ الطلاق :4 ] . وغفران الذنوب وإعظام الأجور لقوله : { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا }[ الطلاق :5 ] .

وتقبل الأعمال لقوله : { إنما يتقبل الله من المتقين }[ المائدة :27 ] .

والفلاح لقوله : { واتقوا الله لعلكم تفلحون } ][ البقرة :189 ] .

والبشرى لقوله : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }[ يونس :64 ] . ودخول الجنة لقوله : { إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم }[ القلم :34 ] .

والنجاة من النار لقوله : { ثم ننجي الذين اتقوا }[ مريم :72 ] .

الفصل الثاني : في البواعث على التقوى

عشرة وهي :

خوف العقاب الأخروي .

وخوف [ العقاب ] الدنيوي .

ورجاء الثواب الدنيوي .

ورجاء الثواب الأخروي .

وخوف الحساب .

والحياء من نظر الله ، وهو مقام المراقبة .

والشكر على نعمه بطاعته .

والعلم لقوله : { إنما يخشى الله من عباده العلماء }[ فاطر :28 ] .

وتعظيم جلال الله ، وهو مقام الهيبة .

وصدق المحبة لقول القائل :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

ولله در القائل :

قالت وقد سألت عن حال عاشقها *** لله صفه ولا تنقص ولا تزد

فقلت لو كان يظن الموت من ظمأ *** وقلت قف عن ورود الماء لم يرد الفصل الثالث : في درجات التقوى

وهي خمس :

أن يتقي العبد الكفر ، وذلك مقام الإسلام .

وأن يتقي المعاصي والحرمات وهو مقام التوبة .

وأن يتقي الشبهات ، وهو مقام الورع .

وأن يتقي المباحات وهو مقام الزهد .

وأن يتقي حضور غير الله على قلبه ، وهو مقام المشاهدة .