تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : ( ذلك الكتاب ) ، أي هذا{[159]} الكتاب إشارة إلى ما عنده . وذلك شائع في اللغة ، جائز بمعنى هذا . وقيل : ذلك بمعنى ذلك إشارة إلى ما في أيدي السفرة والبررة .

وقوله تعالى : ( لا ريب فيه ) قيل : فيه وجوه ، لكن الحاصل يرجع إلى وجهين : أي لا ترتابوا فيه ، إنه من عند الله ، وقيل ( لا ريب فيه ) إنه منزل على أيدي الأمناء والثقات .

وقوله تعالى : ( هدى ) قيل [ فيه ]{[160]} بوجهين :

[ أحدهما ]{[161]} ( هدى ) أي بيانا ووضوحا . فلو كان المراد هذا فالتقي وغير التقي سواء .

والثاني : ( هدى ) أي رشدا وحجة ودليلا .

ثم اختلفوا في الدليل ؛ فقال الدويدي{[162]} : الدليل إنما يكون دليلا بالاستدلال ، لأنه فعل المستدل ، مشتق من الاستدلال كالضرب من الضارب وغيره .

وقال غير هؤلاء : الدليل بنفسه دليل ، وإن لم يستدل به ، لأنه حجة ، والحجة حجة ، وإن لم يحتج بها . غير أن الدليل يكون دليلا بالاستدلال ، ومن لم يستدل به فلا يكون له دليلا ، وإن كان بنفسه دليلا . بل يكون عليه عمى وحيرة كقوله ( وإذا ما أنزلت سورة . . . {[163]} فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ) ( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا( [ التوبة : 123و 125 ] .

وقوله تعالى : ( للمتقين ) قيل فيه بوجهين :

أحدهما : يؤمنون بالله غيبا ، ولم يطلبوا منه ما طلب{[164]} الأمم السالفة من أنبيائهم كقول بني إسرائيل لموسى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) [ البقرة : 55 ] .

والثاني : يؤمنون بغيب القرآن وبما يخبرهم القرآن من الوعيد والأمر والنهي والبعث والجنة والنار . والإيمان إنما يكون بالغيب لأنه تصديق ، [ والكفر هو التكذيب ]{[165]} ، والتصديق والتكذيب إنما يكونان عن الخبر ، والخبر يكون عن غيب لا عن مشاهدة . والآية تنقض قول من يقول بأن جميع الطاعات إيمانا لأنه أثبت لهم اسم الإيمان دون إقامة الصلاة والزكاة بقوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) [ الآية : 3 ] .


[159]:- من ط م، في الأصل و ط ع: ذلك.
[160]:- من ط م و ط ع
[161]:- ساقطة في النسخ الثلاث
[162]:- في ط م: الرواندي، وقال المحققان في حاشيتهما: إنه أبو الحسن الرواندي أو ابن الرواندي.. فيلسوف مجاهر بالإلحاد، كان متكلما ثم تزندق وإليه نسبت الرواندية، توفي سنة 298هـ وقال محقق ط ع في حاشيته: إنه جد محمد بن سهل.. بن دريد محدث سكن بغداد، وتوفي سنة 251هـ.
[163]:-في ط ع أتم الناسخ الآية بدل النقط، وفي ط م: ثم قال.
[164]:- في ط م: طلبه.
[165]:- من ط ع.