لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

قوله جلّ ذكره : { ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } .

قيل ذلك الكتاب أي هذا الكتاب ، وقيل إشارة إلى ما تقدم إنزاله من الخطاب ، وقيل ذلك الكتاب الذي وعدْتُك إنزاله عليك يوم الميثاق .

لا ريب فيه ، فهذا وقت إنزاله . وقيل ذلك الكتاب الذي كتبتُ فيه الرحمةَ على نفسي لأمتك - لا شك فيه ، فتحقق بقولي .

وقيل الكتاب الذي هو سابق حكمي ، وقديم قضائي لمن حكمت له بالسعادة ، أو ختمت عليه بالشقاوة لا شك فيه .

وقيل ( حكمي الذي أخبرت أن رحمتي سبقت على غضبي لا شك فيه ) .

وقيل إشارة إلى ما كتب في قلوب أوليائه من الإيمان والعرفان ، والمحبة والإحسان ، وإن كتاب الأحباب عزيز على الأحباب ، لا سيما عند فقد اللقاء ، وبكتاب الأحباب سلوتهم وأنسهم ، وفيه شفاؤهم ورَوْحهم ، وفي معناه أنشدوا :

وكتْبُكَ حولي لا تفارق مضجعي *** وفيها شفاء للذي أنا كاتم

وأنشدوا :

ورد الكتاب بما أقَرَّ عيوننا *** وشفى القلوب فَنِلْن غايات المنى

وتقاسم الناسُ المسرةَ بينهم *** قِسَماً وكان أجلهم حَظّاً أنا

قوله جلّ ذكره : { هَدىً لِلمُتَّقِينَ } .

أي بياناً وحجة ، وضياء ومحجة ، لمن وقاه الحق سبحانه وتعالى من ظلمات الجهل ، وبصَّره بأنوار العقل ، واستخلصه بحقائق الوصل . وهذا الكتاب للأولياء شفاء ، وعلى الأعداء عمًى وبلاء . المُتَّقي من اتقى رؤية تقاه ، ولم يستند إلى تقواه ، ولم يَرَ نجاته إلا بفضل مولاه .