التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

بسم الله الرحمن الرحيم .

{ الم { 1 } ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ { 2 } الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ { 3 } والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ { 4 } أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { 5 } } .

بدأت السورة بحروف الألف واللام والميم وهي هنا للاسترعاء والتنبيه أيضا على ما رجحناه في أمثالها . وقد أعقبت الحروف إشارة تنبيه وتنويه إلى القرآن جريا على الأسلوب القرآني في معظم السور المبدوءة بالحروف المتقطعة .

وتعتبر { ذَلِكَ الْكِتَابُ } وإن كان قد يفيد من الوجهة الموضوعية ما نزل من القرآن إلى حين نزول الآية ، غير أنه يجب أن يعتبر تعبيرا شاملا لجميع القرآن ما نزل منه وما سوف ينزل بعده كما هو المتبادر . وبعضهم يقف عند استعمال { ذَلِكَ } ويقول : إن هذا للعبد ولا يفيد أن القصد هو القرآن ، وهذا تمحل لا مبرر له ، فصيغة الآيات ومحتواها فيها الدلالة على أن المقصود هو القرآن الكتاب الذي يتلى على الناس .

وقد تضمنت بقية الآيات : تقرير كون القرآن هدى للذين يتقون الله ويرغبون في رضائه ، والذين يؤمنون بما يسمعون فيه من الحقائق المغيبة عنهم ، ولم لو تدركها حواسهم أو يقم دليل مادي عليها ؛ لأنهم يؤمنون بأن القرآن من عند الله وهو الذي يخبر بها ، والذين يقيمون الصلاة لله وينفقون مما رزقهم في وجوه البر ، والذين يؤمنون بما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم وبما أنزل كذلك على الأنبياء من قبله ، والذين يوقنون بالحياة الآخرة وحسابها وجزائها . فهم السائرون في سبيل الله القويم وعلى هداه ، وأنهم لهم الناجون الفائزون .

والآيات احتوت بيان الصفات التي يجب أن تتحقق في المؤمن الصالح وبشرى وتنويها لمن يتصف بها . وقد انطوت –كما هو المتبادر- على التنويه بالذين كانوا يؤمنون بالله ورسوله حين نزوله . وانطوت إلى هذا على تقرير كون كتاب الله إنما هو هدى لذوي النيات الحسنة الذين يراقبون الله ويتقونه ويرغبون في رضائه .

وما تقرره هذه الآيات قد تكرر في الآيات المكية ، غير أنه جاء هنا قويا محبوكا .

ولقد رجحنا في مقدمة السورة أن هذه السورة اعتبرت أولى سور القرآن نزولا ؛ لأن فصلها الأول هو أول القرآن المدني نزولا . وبدء هذا الفصل بالحروف المتقطعة يدل على أن هذه الآيات هي مطلع السورة ، وتكون –والحالة هذه- أولى الآيات نزولا في المدينة والله أعلم .