نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

ولما كان معنى { الم } هذا كتاب{[543]} من جنس حروفكم التي قد فقتم{[544]} في التكلم{[545]} بها سائر الخلق فما عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله إلا لأنه كلام الله أنتج ذلك كماله ، فأشير إليه بأداة البعد ولام الكمال{[546]} في قوله{[547]} { ذلك الكتاب } لعلو مقداره بجلالة آثاره وبعد رتبته عن نيل المطرودين . ولما علم كماله أشار إلى تعظيمه بالتصريح بما ينتجه ويستلزمه ذلك التعظيم فقال { لا ريب فيه } أي في شيء من{[548]} معناه ولا نظمه في نفس الأمر عند من تحقق بالنظر{[549]} فالمنفي{[550]} كونه متعلقاً للريب ومظنة له ، ولم يقدم الظرف لأنه كان يفيد الاختصاص فيفهم أن غيره{[551]} من الكتب{[552]} محل الريب .

قال الحرالي : " ذا " اسم مدلوله المشار إليه ، واللام مدلوله معها بُعدمّا { الكتاب } من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفية من أصله كالخرز{[553]} في الجلد بقد منه والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله الأول ، فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام { لا } لنفي ما هو ممتنع مطلقاً أو في وقت " الريب " التردد بين موقعي تهمة بحيث يمتنع من الطمأنينة على كل واحد منهما . انتهى . وأصله قلق النفس واضطرابها{[554]} ، ومنه ريب{[555]} الزمان لنوائبه المقلقة ، ولما كان ذلك يستلزم الهدى قال : { هدى } وخص المنتفعين{[556]} لأن الألد{[557]} لا دواء له والمتعنت{[558]} لا يرده شيء فقال : { للمتقين } أي الذين جبلوا في أصل الخلقة على التقوى ؛ فافهم ذلك أن غيرهم لا يهتدي به بل يرتاب وإن كان ليس موضعاً للريب أصلاً{[559]} .

قال الحرالي : جمع المتقي وهو المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه{[560]} بأنه غير مستغن بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته والمتقى{[561]} كذا متوقف لأجل ذلك ، والتقوى{[562]} أصل يتقدم{[563]} الهدى وكل عبادة ، لأنها فطرة توقف تستحق الهدى وكل خير وهي وصية الله لأهل الكتاب{[564]} . انتهى .


[543]:في ظ: كتاب
[544]:يس في مد
[545]:ليس في مد
[546]:في مد: فقال
[547]:في مد: فقال
[548]:في ظ: فهي كذا
[549]:من ظ وفي الأصل ومد وم: النظر
[550]:في تفسير النسفي: وإنما نفى الريب على سبيل الاستغراق وقد ارتاب فيه كثير لأن المنفى كونه متعلقا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه لا أن أحدا لا يرتاب وإنما لم يقل: لا فيه ريب، كما قال "لا فيها غول" لأن المراد في إيلاء الريب حرف النفي نفى الريب عنه وإثبات أنه حق لا باطل كما يزعم الكفار ولو أولى الظرف لبعد عن المراد وهو أن كتابا آخر فيه ريب لا فيه.
[551]:ليس في ظ
[552]:ليس في ظ
[553]:في م: كالحرز
[554]:وفي تفسير النسفي "لا ريب" لا شك وهو مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها ومنه قوله عليه السلام: دع ما يربك إلى ما يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة أي فان كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقر وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له وتسكن، ومنه ريب الزمان وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه – انتهى.
[555]:في م: مريب
[556]:بهامش م: لعله المتقين
[557]:في م: الدا - كذا
[558]:في م: المنعت - كذا
[559]:ليس في مد
[560]:في ظ: علم
[561]:وفي الأصول كلها: متقى: كذا
[562]:في أنوار التنزيل: في الأصل مصدر كالسرى والتقى ومعناه الدلالة إلى أن قال: واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به والمنتفعون بنصبه وإن كانت دلالته عامة لكل ناظر من مسلم أو كافر وبهذا الاعتبار قال: "هدى الناس"
[563]:في ظ: تقدم
[564]:زيد من ظ وفي م ومد : لأهل الكتب وقد سقط من الأصل ولكن علامة الزيادة ثابتة فيه أيضا