تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

هذه الآية الكريمة والتي{[6690]} بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة هن آيات علم الفرائض ، وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هي كالتفسير لذلك وَلنذْكُرْ منها ما هو متعلق بتفسير ذلك ، وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة ، والحجاج بين الأئمة ، فموضعه كتاب " الأحكام " فالله المستعان{[6691]} .

وقد ورد الترغيب في تعلم الفرائض ، وهذه الفرائض الخاصة{[6692]} من أهم ذلك . وقد روى أبو داود وابن ماجة ، من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه{[6693]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العِلْمُ ثلاثة ، وما سِوَى ذلك فهو فَضْلٌ : آية مُحْكَمَةٌ ، أو سُنَّةٌ قائمةٌ ، أو فَريضةٌ عَادَلةٌ " {[6694]} .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ، تَعلَّمُوا الفرائِضَ وعلِّموهُ فإنه نصْف العلم ، وهو يُنْسَى ، وهو أول شيء{[6695]} يُنْتزَع من أمتي " .

رواه ابن ماجة ، وفي إسناده ضعف{[6696]} .

وقد رُوي من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد{[6697]} وفي كل منهما نظر . قال [ سفيان ]{[6698]} ابن عيينة : إنما سَمَّى الفرائض نصفَ العلم ؛ لأنه يبتلى{[6699]} به الناس كلهم .

وقال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام : أن ابن جُرَيج أخبرهم قال : أخبرني ابن المُنْكدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سَلمَةَ ماشيين ، فوجَدَني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا ، فدعا بماء فتوضأ منه ، ثم رَش عَلَيَّ ، فأفقت ، فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } .

وكذا رواه مسلم والنسائي ، من حديث حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج{[6700]} به ، ورواه الجماعةُ كُلّهم من حديث سفيان بن عُيَينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر{[6701]} .

حديث آخر عن جابر في سبب نزول الآية : قال الإمام أحمد : حَدّثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله - هو ابن عَمْرو{[6702]} الرقيّ - عن عبد الله بن محمد بن عَقيل ، عن جابر قال : جاءت امرأة سعد بن الرَّبيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قُتل أبوهما معك في أحُد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يَدَعْ لهما مالا ولا يُنْكَحَان إلا ولهما مال . قال : فقال : " يَقْضِي اللَّهُ في ذلك " . قال : فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : " أعْطِ ابْنَتي سعد الثلثين ، وأُمُّهُمَا الثُّمُنَ ، وما بقي فهو لك " .

وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، من طرق ، عن عبد الله بن محمد بن عُقَيل ، به . قال الترمذي : ولا يعرف إلا من حديثه{[6703]} .

والظاهر أن{[6704]} حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي ، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ، ولم يكن له بنات ، وإنما كان يورث كلالة ، ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري ، رحمه الله ، فإنه ذكره هاهنا . والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية ، والله أعلم .

فقوله{[6705]} تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } أي : يأمركم بالعدل فيهم ، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث ، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث ، وفاوت بين الصنفين ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشُّم المشقة ، فناسب أن يُعْطَى ضعْفَيْ ما تأخذه{[6706]} الأنثى .

وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، فعلم{[6707]} أنه أرحم بهم منهم ، كما جاء في الحديث الصحيح .

وقد رأى امرأة من السَّبْي تدور على ولدها ، فلما وجدته أخذته فألْصَقَتْه بصَدْرها وأرضعته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أتَروْن هذهِ طارحةَ ولدها{[6708]} في النار وهي تَقْدِرُ على ذلك ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " فَوَاللهِ للَّهُ أًرْحَمُ بعبادِهِ من هذه بِوَلَدِهَا " .

وقال البخاري هاهنا : حدثنا محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن عَطاء ، عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنَسَخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث ، وجعل للزوجة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع{[6709]} .

وقال العَوفي ، عن ابن عباس قوله : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ } وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فَرَضَ الله فيها ما فرض ، للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا : تُعطَى المرأة الربع أو الثمن{[6710]} وتعطى البنت{[6711]} النصف . ويعطى الغلام الصغير . وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة . . اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغير ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، نعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفَرَس ، ولا تقاتل القوم ونُعطِي{[6712]} الصبي الميراث وليس يُغني{[6713]} شيئا . . وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا .

وقوله : { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } قال بعض الناس : قوله : { فوق } زائدة وتقديره : فإن كنّ نساء اثنتين كما في قوله [ تعالى ]{[6714]} { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ } [ الأنفال : 12 ] وهذا غير مُسَلَّم لا هنا ولا هناك ؛ فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه وهذا ممتنع ، ثم قوله : { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لو كان المراد ما قالوه لقال : فلهما ثلثا ما ترك . وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين{[6715]} من حكم الأختين في الآية الأخيرة ، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين . وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بطريق الأولى{[6716]} وقد تقدم في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين ، فدل الكتاب والسنة على ذلك ، وأيضا فإنه قال : { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فلو كان للبنتين النصف [ أيضا ]{[6717]} لنص عليه ، فلما حكم به للواحدة على انفرادها دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم .

وقوله : { وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ ]{[6718]} } إلى آخره ، الأبوان لهما في الميراث أحوال :

أحدها : أن يجتمعا مع الأولاد ، فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة ، فرض لها النصف ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب ، فيجمع{[6719]} له - والحالة هذه - بين هذه الفرض والتعصيب .

الحال الثاني : أن ينفرد الأبوان بالميراث ، فيفرض للأم - والحالة هذه - الثلث ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض ، ويكون قد أخذ ضعفي ما فرض{[6720]} للأم ، وهو الثلثان ، فلو كان معهما - والحالة هذه - زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف والزوجة{[6721]} الربع . ثم اختلف العلماء : ما تأخذ{[6722]} الأم بعد فرض الزوج والزوجة على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين ؛ لأن الباقي كأنه{[6723]} جميع الميراث بالنسبة إليهما . وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ ثلثيه{[6724]} وهو قول عمر وعثمان ، وأصح الروايتين عن علي . وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت ، وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور العلماء - رحمهم الله .

والقول الثاني : أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله : { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ } فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا . وهو قول ابن عباس . وروي عن علي ، ومعاذ بن جبل ، نحوه . وبه يقول شريح وداود بن علي الظاهري واختاره الإمام أبو الحسين محمد بن عبد الله بن اللبان البصري{[6725]} في كتابه " الإيجاز في علم الفرائض " .

وهذا فيه نظر ، بل هو ضعيف ؛ لأن ظاهر الآية إنما هو [ ما ]{[6726]} إذا استبد بجميع التركة ، فأما في هذه المسألة فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ، ويبقى الباقي كأنه جميع التركة ، فتأخذ ثلثه ، كما تقدم .

والقول الثالث : أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسألة الزوجة ، فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة{[6727]} من اثني عشر ، وتأخذ الأم الثلث وهو أربعة ، فيبقى{[6728]} خمسة للأب . وأما في مسألة الزوج فتأخذ ثلث الباقي ؛ لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال ، فتكون المسألة من ستة : للزوج النصف ثلاثة{[6729]} وللأم ثلث ما بقي{[6730]} وهو سهم ، وللأب الباقي بعد ذلك وهو سهمان . ويحكى هذا عن محمد بن سيرين ، رحمه الله ، وهو مركب من القولين الأولين ، موافق كلا منهما في صورة وهو ضعيف أيضا . والصحيح الأول ، والله أعلم .

والحال الثالث من أحوال الأبوين : وهو اجتماعهما مع الإخوة ، وسواء كانوا من الأبوين ، أو من الأب ، أو من الأم ، فإنهم لا يرثون مع الأب شيئًا ، ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ، فيفرض لها مع وجودهم السدس ، فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب أخذ الأب الباقي .

وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور . وقد روى البيهقي من طريق شُعْبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يَردان الأم عن الثلث ، قال الله تعالى : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة . فقال عثمان : لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ، ومضى في الأمصار ، وتوارث به الناس .

وفي صحة هذا الأثر نظر ، فإن شُعْبَة هذا تكلَّم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به ، والمنقول عنهم خلافه .

وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه أنه قال : الأخوان تسمى إخوة{[6731]} وقد أفردت لهذه المسألة جُزءًا على حدة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد ، عن قتادة قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ } أضروا بالأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ويحجبها ما فوق ذلك ، وكان أهل العلم يَرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ونفقته{[6732]} عليهم دون أمهم .

وهذا كلام{[6733]} حسن . لكن روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم ، وهذا قول شاذ ، رواه ابن جرير في تفسيره فقال :

حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر عن ابن طاوس ، عن أبيه عن ابن عباس ، قال : السدس الذي حَجَبَتْه الإخوة لأم لهم ، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم .

ثم قال ابن جرير : وهذا قول مخالف لجميع الأمة ، وقد حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا عَمْرو ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس أنه قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

وقوله : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أجمع العلماء سلفًا وخلفًا : أن الدَّيْن مقدم على الوصية ، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فَحْوَى الآية الكريمة . وقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وأصحاب التفاسير ، من حديث أبي إسحاق ، عن الحارث بن عبد الله الأعور ، عن علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]{[6734]} قال : إنكم تقرءون { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه . ثم قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم{[6735]} .

قلت : لكن كان حافظًا للفرائض معتنياً بها وبالحساب{[6736]} فالله{[6737]} أعلم .

وقوله : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } أي : إنما فرضنا للآباء وللأبناء ، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية ، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللوالدين{[6738]} الوصية ، كما تقدم عن ابن عباس ، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم ؛ لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي - أو الأخروي أو هما - من أبيه ما لا يأتيه من ابنه ، وقد يكون بالعكس ؛ فلهذا قال : { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } أي : كأن{[6739]} النفع متوقع ومرجو من هذا ، كما هو متوقع ومرجو من الآخر ؛ فلهذا فرضنا لهذا ولهذا ، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث ، والله أعلم .

وقوله : { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ } أي : [ من ]{[6740]} هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث ، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض - هو فرض من الله حكم به وقضاه ، والله{[6741]} عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }


[6690]:في ر: "والذي".
[6691]:في جـ، ر، أ: "وبالله المستعان".
[6692]:في جـ، أ: "الخاصة وهي من أهم ذلك".
[6693]:في جـ، ر، أ: "عنهما".
[6694]:سنن أبي داود برقم (2885) وسنن ابن ماجة برقم (54) ورواه الحاكم في المستدرك (4/332) والبيهقي في السنن الكبرى (6/208) والدارقطني في السنن (4/67) من طريق عبد الرحمن بن زياد الإفريقي به. قال الذهبي في هذا الحديث والذي بعده: الحديثان ضعيفان.
[6695]:في جـ، أ: "علم".
[6696]:سنن ابن ماجة برقم (2719) ورواه الدارقطني في السنن (4/67) والحاكم في المستدرك (4/332) والبيهقي في السنن الكبرى (6/208) من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف به. قال الذهبي: "فيه حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه بمرة".
[6697]:حديث ابن مسعود "تعلموا الفرائض وعلموها فإني امرؤ مقبوض.." الحديث، رواه الحاكم في المستدرك (4/333).
[6698]:زيادة من: ر، أ.
[6699]:في أ: "تبتلى".
[6700]:صحيح البخاري برقم (4577) وصحيح مسلم برقم (1616) وسنن النسائي الكبرى برقم (6323).
[6701]:طريق سفيان رواها البخاري في صحيحه برقم (5651) ومسلم في صحيحه برقم (1616) وأبو داود في السنن برقم (2886) والترمذي في السنن برقم (2097) والنسائي في السنن (1/87) وابن ماجة في السنن برقم (2728).
[6702]:في أ: "عمر".
[6703]:المسند (3/352) وسنن أبي داود برقم (2892، 2891) وسنن الترمذي برقم (2092) وسنن ابن ماجة برقم (2720).
[6704]:في أ: "أنه".
[6705]:في أ: "وقوله".
[6706]:في ر: "ما تأخذ".
[6707]:في أ: "منكم".
[6708]:في جـ: "بولدها".
[6709]:صحيح البخاري برقم (4578).
[6710]:في أ: "والثمن".
[6711]:في ر: "ويعطى الابنة"، وفي جـ: "وتعطى الابنة".
[6712]:في ر، أ: "ويعطي".
[6713]:في ر: "يعني".
[6714]:زيادة من جـ.
[6715]:في جـ، ر: "كون للبنتين الثلثان".
[6716]:في جـ، ر، أ: "الأحرى".
[6717]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6718]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6719]:في أ: "فيجتمع".
[6720]:في جـ: "ما حصل" وفي ر: "ما فضل".
[6721]:في جـ، ر: "أو الزوجة".
[6722]:في أ: "ماذا تأخذ".
[6723]:في أ: "كان".
[6724]:في ر: "الباقي".
[6725]:في أ: "المصري".
[6726]:زيادة من أ.
[6727]:في جـ، ر: "ثلثه".
[6728]:في أ: "فبقى".
[6729]:في جـ، ر: "ثلثه".
[6730]:في جـ: "الباقي".
[6731]:في جـ، ر، أ: "وتسمى الأخوان إخوة".
[6732]:في جـ: "والنفقة".
[6733]:في جـ: "الكلام".
[6734]:زيادة من أ.
[6735]:سنن الترمذي برقم (2094).
[6736]:قال أبو بكر بن أبي داود: "الحارث كان أفقه وأفرض الناس وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي"، وقيل للشعبي: كنت تختلف إلى الحارث؟ قال: نعم، كنت أختلف إليه أتعلم الحساب، كان أحسب الناس.لكن ضعف في روايته للحديث، ضعفه جماعة منهم الشعبي وجرير وابن مهدي وابن المديني ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. انظر: تهذيب الكمال (5/244).
[6737]:في ر: "والله".
[6738]:في ر، أ: "وللأبوين".
[6739]:في جـ، ر، أ: "كما أن".
[6740]:زيادة من ر.
[6741]:في جـ، ر، أ: "وهو".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِيَ أَوْلاَدِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الاُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لّمْ يَكُنْ لّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُمّهِ الثّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُمّهِ السّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ } : بعهد الله إليكم ، { فِي أوْلاَدِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } يقول يعهد إليكم ربكم إذا مات الميت منكم ، وخلف أولادا ذكورا وإناثا ، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بينهم ، للذكر منهم مثل حظّ الأنثيين ، إذا لم يكن له وارث غيرهم ، سواء فيه صغار ولده وكبارهم وإناثهم في أن جميع ذلك بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين ورفع قوله : «مثل » ، بالصفة ، وهي اللام التي في قوله : { للذّكَرِ } ولم ينصب بقوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ } لأن الوصية في هذا الموضع عهد وإعلام بمعنى القول ، والقول لا يقع على الأسماء المخبر عنها ، فكأنه قيل : يقول الله تعالى ذكره : لكم في أولادكم للذكر منهم مثل حظّ الأنثيين . وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم تبيينا من الله الواجب من الحكم في ميراث من مات وخلف ورثة على ما بيّن ، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده ممن كان لا يلاقي العدوّ ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده ، ولا للنساء منهم ، وكانو يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية ، فأخبر الله جلّ ثناؤه أن ما خلفه الميت بين من سمى وفرض له ميراثا في هذه الاَية وفي آخر هذه السورة ، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم : لهم ميراث أبيهم إذا لم يكن له وارث غيرهم ، للذكر مثل حظّ الأنثيين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } كان أهل الجاهلية لا يورّثون الجواري ، ولا الصغار من الغلمان ، لا يرث الرجلَ من ولده إلا من أطاق القتال . فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر ، وترك امرأة يقال لها أم كُحة وترك خمس أخوت ، فجاءت الورثة يأخذون ماله ، فشكت أم كحة ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية : { فإنْ كُنّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلُثا ما تَركَ وإنْ كانَتْ واحِدةً فَلَها النّصْفُ } ثم قال في أم كحة : { ولهُنّ الرّبعُ مِمّا تَركْتُمْ إنْ لمْ يَكنْ لَكُمْ ولَدٌ فإنْ كان لَكُمْ ولَدٌ فلَهُنّ الثمنٌ } .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم ، وقالوا : تعطى المرأة الربع والثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغيره ! فقال بعضهم : يا رسول الله ، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ، ونعطي الصبيّ الميراث ، وليس يغني شيئا ؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا من قاتل ، ويعطونه الأكبر فالأكبر .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل أن المال كان للولد قبل نزوله ، وللوالدين الوصية ، فنسخ الله تبارك وتعالى ذلك بهذه الاَية . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أو عطاء ، عن ابن عباس في قوله : { يُوصِيكمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ } قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحبّ ، فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد ، وللزوج الشطر والربع ، وللزوجة الربع والثمن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَيَيْنِ } قال : كان ابن عباس يقول : كان المال وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسح الله تبارك وتعالى من ذلك ما أحبّ ، فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس مثله . ورُوي عن جابر بن عبد الله ما :

حدثنا به محمد بن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ، فتوضأ ونضح عليّ من وَضوئه فأفقت ، فقلت : يا رسول الله إنما يرثني كلالةٌ ، فكيف بالميراث ؟ فنزلت آية الفرائض .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : ثني محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في بني سملة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم رشّ عليّ فأفقت ، فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ؟ فنزلت { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكمْ } . . . الاَية .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ كُنّ نِساءً فَوْق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنّ ثُلثا ما تَركَ } .

يعني بقوله : { فإنْ كُنّ } فإن كان المتروكات نساء فوق اثنتين . ويعني بقول نِساء : بنات الميت فوق اثنتين ، يقول : أكثر في العدد من اثنتين . { فَلهُنّ ثُلُثا ما تَرَكَ } يقول : فلبناته الثلثان مما ترك بعده من ميراثه دون سائر ورثته إذا لم يكن الميت خلف ولدا ذكرا معهن .

واختلف أهل العربية في المعنيّ بقوله : { فإنْ كُنّ نِساءً } فقال بعض نحويي البصرة بنحو الذي قلنا : فإن كان المتروكات نساء ، وهو أيضا قول بعض نحويي الكوفة .

وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : فإن كان الأولاد نساء . وقال : إنما ذكر الله الأولاد ، فقال : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ } ثم قسم الوصية ، فقال : { فإنْ كُنّ نِساءً } وإن كان الأولاد واحدة ترجمة منه بذلك عن الأولاد .

قال أبو جعفر : والقول الأوّل الذي حكيناه عمن حكيناه عنه من البصريين أولى بالصواب في ذلك عندي ، لأن قوله : «وإن كنّ » ، لو كان معنيا به الأولاد ، لقيل : وإن كانوا ، لأن الأولاد تجمع الذكور والإناث ، وإذا كان كذلك ، فإنما يقال : كانوا لا كنّ .

القول في تأويل قوله تعالى : { وإنْ كانَتْ واحِدةً فَلَها النّصْفُ ولأبَويْهِ لِكُلّ واحِدٍ مِنْهُما السّدُسُ مِمّا تَرك إنْ كان لَهُ وَلَدٌ } .

يعني بقوله : وإن كانت المتروكة ابنة واحدة ، فلها النصف ، يقول : فلتلك الواحدة نصف ما ترك الميت من ميراثه إذا لم يكن معها غيرها من ولد الميت ذكر ولا أنثى .

فإن قال قائل : فهذا فرض الواحدة من النساء ، وما فوق الاثنتين ، فأين فريضة الاثنتين ؟ قيل : فريضتهم بالسنة المنقولة نقل الوراثة التي لا يجوز فيها الشكّ . وأما قوله : { وَلأَبَوَيْهِ } فإنه يعني : ولأبوي الميت لكل واحد منهما السدس من تركته وما خلف من ماله سواء فيه الوالدة والوالد ، لا يزداد واحد منهما على السدس إن كان له ولد ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة .

فإن قال قائل : فإذ كان كذلك التأويل ، فقد يجب أن لا يزاد الوالد مع الابنة الواحدة على السدس من ميراثه عن ولده الميت ، وذلك إن قلته قول خلاف لما عليه الأمة مجمعون من تصييرهم باقي تركة الميت مع الابنة الواحدة بعد أخذها نصيبها منها لوالده أجمع ؟ قيل : ليس الأمر في ذلك كالذي ظننت ، وإنما لكلّ واحد من أبوي الميت السدس من تركته مع ولده ذكرا كان الولد أو أنثى ، واحدا كان أو جماعة ، فريضة من الله له مسماة ، فإن زيد على ذلك من بقية النصف مع الابنة الواحدة إذا لم يكن غيره وغير ابنة للميت واحدة فإنما زيدها ثانيا لقرب عصبة الميت إليه ، إذ كان حكم كل ما أبقته سهام الفرائض ، فلأولي عصبة الميت وأقربهم إليه بحكم ذلك لها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الأب أقرب عصبة ابنة وأولاها به إذا لم يكن لابنه الميت ابن .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَوَاهُ فلأُمّهِ الثّلُثُ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ } : فإن لم يكن للميت ولد ذكر ولا أنثى ، وورثه أبواه دون غيرهما من ولد وارث¹ { فلاّمّهِ الثّلُثُ } يقول : فلأمه من تركته وما خلف بعده ثلث جميع ذلك .

فإن قال قائل : فمن الذي له الثلثان الاَخران ؟ قيل له الأب . فإن قال قائل : بماذا ؟ قلت : بأنه أقرب أهل الميت إليه ، ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان الباقيان ، إذ كان قد بين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباده أن كل ميت فأقرب عصبته به أولى بميراثه بعد إعطاء ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه . وهذه العلة هي العلة التي من أجلها سمى للأم ما سمى لها ، إذا لم يكن الميت خلف وارثا غير أبويه ، لأن الأم ليست بعصبة في حال للميت ، فبين الله جلّ ثناؤه لعباده ما فرض لها من ميراث ولدها الميت ، وترك ذكر من له الثلثان الباقيان منه معها ، إذ كان قد عرّفهم في جملة بيانه لهم من له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم ، وكان بيانه ذلك معينا لهم على تكرير حكمه مع كل من قسم له حقا من ميراث ميت وسمّى له منه سهما .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فلأُمّهِ السّدُسُ } .

إن قال قائل : وما المعنى الذي من أجله ذكر حكم الأبوين مع الإخوة ، وترك ذكر حكمهما مع الأخ الواحد ؟ قلت : اختلاف حكمهما مع الإخوة الجماعة والأخ الواحد ، فكان في إبانة الله جلّ ثناؤه لعباده حكمهما فيما يرثان من ولدهما الميت مع إخوته غنى ، وكفاية عن أن حكمهما فيما ورثا منه غير متغير عما كان لهما ، ولا أخ للميت ، ولا وارث غيرهما ، إذ كان معلوما عندهم أن كل مستحقّ حقا بقضاء الله ذلك له ، لا ينتقل حقه الذي قضى به له ربه جلّ ثناؤه ، عما قضى به له إلى غيره ، إلا بنقل الله ذلك عنه إلى من نقله إليه من خلقه ، فكان في فرضه تعالى ذكره للأم ما فرض ، إذا لم يكن لولدها الميت وارث غيرها وغير والده ، لوائح الدلالة الواضحة للخلق أن ذلك المفروض هو ثلث مال ولدها الميت حقّ لها واجب ، حتى يغير ذلك الفرض من فرض لها ، فلما غير تعالى ذكره ما فرض لها من ذلك مع الإخوة الجماعة وترك تغييره مع الأخ الواحد ، علم بذلك أن فرضها غير متغير عما فرض لها إلا في الحال التي غيره فيها من لزم العباد طاعته دون غيرها من الأحوال .

ثم اختلف أهل التأويل في عدد الإخوة الذين عناهم الله تعالى ذكره بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةُ } فقال جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان ومن بعدهم من علماء أهل الإسلام في كل زمان : عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فلأُمّهِ السّدُسُ } اثنين كان الإخوة أو أكثر منهما ، أنثيين كانتا أو كنّ إناثا ، أو ذكرين كانا أو كانوا ذكورا ، أو كان أحدهما ذكرا والاَخر أنثى . واعتلّ كثير ممن قال ذلك بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جلّ ثناؤه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فنقلته أمة نبيه نقلاً مستفيضا قطع العذر مجيئه ، ودفع الشكّ فيه عن قلوب الخلق وروده .

ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول : بل عنى الله جلّ ثناؤه بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } : جماعة أقلها ثلاثة . وكان ينكر أن يكون الله جل ثناؤه حجب الأم عن ثلثها مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة ، فكان يقول في أبوين وأخوين : للأم الثلث وما بقي فللأب ، كما قال أهل العلم في أبوين وأخ واحد . ذكر الرواية عنه بذلك :

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : ثني ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أنه دخل على عثمان رضي الله عنه ، فقال : لم صار الأخوان يردّان الأم إلى السدس ، وإنما قال الله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : هل أستطيع نقض أمر كان قبلي ، وتوارثه الناس ، ومضى في الأمصار ؟ .

قل أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن المعني بقوله : { فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ } اثنان من إخوة الميت فصاعدا ، على ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، لنقل الأمة وراثة صحة ما قالوه من ذلك عن الحجة وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك .

فإن قال قائل : وكيف قيل في الأخوين إخوة ، وقد علمت أن للأخوين في منطق العرب مثالاً لا يشبه مثال الإخوة في منطقها ؟ قيل : إن ذلك وإن كان كذلك ، فإن من شأنها التأليف بين الكلامين بتقارب معنييهما وإن اختلفا في بعض وجوههما . فلما كان ذلك كذلك ، وكان مستفيضا في منطقها منتشرا مستعملاً في كلامها : ضربت من عبد الله وعمرو رءوسهما ، وأوجعت منهما ظهورهما ، وكان ذلك أشدّ استفاضة في منطها من أن يقال : أوجعت منهما ظهرهما ، وإن كان مقولاً : أوجعت ظهرهما كما قال الفرزدق :

بِمَا في فُؤَادَيْنَا مِنَ الحُبّ والهَوَى ***فَيَبْرَأُ مِنْهَاضُ الفُؤَادِ المَشَغّفُ

غير أن ذلك وإن كان مقولاً ، فأفصح منه : بما في أفئدتنا ، كما قال جلّ ثناؤه : { إنْ تَتوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُما } . فلما كان ما وصفت من إخراج كل ما كان في الإنسان واحدا إذا ضمّ إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر ، فصار اثنين من اثنين ، فلفظ الجمع أفصح في منطقها وأشهر في كلامها ، وكان الأخوان شخصين كل واحد منهما غير صاحبه من نفسين مختلفين أشبه معناهما معنى ما كان في الإنسان من أعضائه واحدا لا ثاني له ، فأخرج أنثييهما بلفظ أنثى العضوين اللذين وصفت ، فقيل إخوة في معنى الأخوين ، كما قيل ظهور في معنى الظهرين ، وأفواه في معنى فموين ، وقلوب في معنى قلبين . وقد قال بعض النحويين : إنما قيل إخوة ، لأن أقلّ الجمع اثنان ، وذلك أنه إذا ضمّ شيء إلى شيء صارا جميعا بعد أن كانا فردين فجمعا ، ليعلم أن الاثنين جمع . وهذا وإن كان كذلك في المعنى ، فليس بعلة تنبىء عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملاً مستفيضا على ألسن العرب لاثنينه بمثال ، وصورة غير مثال ثلاثة فصاعدا منه ، وصورتها ، لأن من قال أخواك قاما ، فلا شكّ أنه قد علم أن كل واحد من الأخوين فرد ضمّ أحدهما إلى الاَخر ، فصارا جميعا بعد أن كانا شتى عنوان الأمر . وإن كان كذلك فلا تستجيز العرب في كلامها أن يقال : أخواك قاموا ، فيخرج قولهم : قاموا ، وهو لفظ للخبر عن الجميع خبرا عن الأخوين وهما بلفظ الاثنين ، لأن لكل ما جرى به الكلام على ألسنتهم مثالاً معروفا عندهم ، وصورة إذا غير مغير ما قد عرفوه فيهم أنكروه ، فكذلك الأخوان وإن كان مجموعين ضمّ أحدهما إلى صاحبه ، فلهما مثال في المنطق ، وصورة غير مثال الثلاثة منهم فصاعدا وصورتهم ، فغير جائز أن يغير أحدهما إلى الاَخر إلا بمعنى مفهوم . وإذا كان ذلك كذلك فلا قول أولى بالصحة مما قلنا قبل .

فإن قال قائل : ولم نقصت الأم عن ثلثها بمصير إخوة الميت معها اثنين فصاعدا ؟ قيل : اختلفت العلماء في ذلك ، فقال بعضهم : نقصت الأم عن ذلك دون الأب ، لأن على الأب مؤنهم دون أمهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَورِثَهُ أبَوَاهُ فلأُمّهِ الثّلُثُ فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمّهِ السّدُسُ } أنزلوا الأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ، ويحجبها ما فوق ذلك . وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث ، لأن أباهم يلي نكاحهم ، والنفقة عليهم دون أمهم .

وقال آخرون : بل نقصت الأم السدس وقصر بها على سدس واحد معونة لإخوة الميت بالسدس الذي حجبوا أمهم عنه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : السدس الذي حجبته الإخوة الأم لهم إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أمهم . وقد روي عن ابن عباس خلاف هذا القول ، وذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس ، قال : الكلالة : من لا ولد له ولا والد .

قال أبو جعفر : وأولى ذلك بالصواب أن يقال في ذلك : إن الله تعالى ذكره فرض للأم مع الإخوة السدس لما هو أعلم به من مصلحة خلقه . وقد يجوز أن يكون ذلك كان لما ألزم الاَباء لأولادهم ، وقد يجوز أن يكون ذلك لغير ذلك ، وليس ذلك مما كلفنا علمه ، وإنما أمرنا بالعمل بما علمنا . وأما الذي روي عن طاوس عن ابن عباس ، فقول لما عليه الأمة مخالف ، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن لا ميراث لأخي ميت مع والده ، فكفى إجماعهم على خلافه شاهدا على فساده .

القول في تأويل قوله تعالى : { مِنْ بعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { مِنْ بعْدِ وَصِيّة يُوصِي بِهَا أوْ دَيْنٍ } أن الذي قسم الله تبارك وتعالى لولد الميت الذكور منهم والإناث ولأبويه من تركته من بعد وفاته ، إنما يقسمه لهم على ما قسمه لهم في هذه الاَية من بعد قضاء دين الميت الذي مات وهو عليه من تركته ومن بعد تنفيذ وصيته في بابها ، بعد قضاء دينه كله . فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت ولا لأحد ممن أوصى له بشيء إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته ، وإن أحاط بجميع ذلك . ثم جعل أهل الوصايا بعد قضاء دينه شركاء ورثته فيما بقي لما أوصى لهم به ما لم يجاوز ذلك ثلثه ، فإن جاوز ذلك ثلثه جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو ردّه إلى ورثته ، إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك ، وإن شاءوا ردّوه¹ فأما ما كان من ذلك إلى الثلث فهو ماض عليهم . وعلى كل ما قلنا من ذلك الأمة مجمعة . وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبر ، وهو ما :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث الأعور ، عن عليّ رضي الله عنه قال : إنكم تقرءون هذه الاَية : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا زكرياء بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ رضوان الله عليه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : حدثنا أشعث ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن عليّ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } قال : يبدأ بالدين قبل الوصية .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والعراق : { يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } ، وقرأ بعض أهل مكة والشام والكوفة : «يُوصَى بِها » على معنى ما لم يسمّ فاعله .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك : { مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِي بها أوْ دَيْنٍ } على مذهب ما قد سمي فاعله ، لأن الاَية كلها خبر عمن قد سمي فاعله ، ألا ترى أنه يقول : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ } ؟ فكذلك الذي هو أولى بقوله : { يُوصِي بِها أوْ دَيْنٍ } أن يكون خبرا عمن قد سمي فاعله¹ لأن تأويل الكلام : ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، من بعد وصية يوصي بها ، أو دين يُقْضَى عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : { إباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعا } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { آباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ } هؤلاء الذين أوصاكم الله به فيهم من قسمة ميراث ميتكم فيهم على ما سمّى لكم وبينه في هذه الاَية { آباؤُكُمْ وأبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفعا } يقول : أعطوهم حقوقهم من ميراث ميتهم الذي أوصيتكم أن تعطوهموها ، فإنكم لا تعلمون أيهم أدنى وأشدّ نفعا لكم في عاجل دنياكم وآجل أخراكم .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { لا تَدْرُون أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } فقال بعضهم : يعني بذلك : أيهم أقرب لكم نفعا في الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس ، قوله : { آباؤُكمْ وأبْناؤُكمْ لا تَدْرُونَ أيّهمْ أقْرَب لَكمْ نَفْعا } يقول : أطوعكم لله من الأباء والأبناء ، أرفعكم درجة يوم القيامة ، لأن الله سبحانه يشفّع المؤمنين بعضهم في بعض .

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا في الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : { لا تَدْرُونَ أيّهُمْ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعا } قال بعضهم : في نفع الاَخرة ، وقال بعضهم : في نفع الدنيا .

وقال آخرون في ذلك بما قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { لا تَدْرُون أيّهُمْ أقْربُ لَكُمْ نَفْعا } قال : أيهم خير لكم في الدين والدنيا الوالد أو الولد الذين يرثونكم لم يدخل عليكم غيرهم ، فرضي لهم المواريث لم يأت بآخرين يشركونهم في أموالكم .

القول في تأويل قوله تعالى : { فَرِيضةً مِنَ اللّهِ إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما } .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ } وإن كان له إخوة فلأمه السدس ، فريضةً ، يقول : سهاما معلومة موقتة بينها الله لهم . ونصب قوله : «فريضة » على المصدر من قوله : { يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأنْثَيَيْنِ فَرِيضةً } فأخرج فريضة من معنى الكلام ، إذ كان معناه ما وصفت . وقد يجوز أن يكون نصبه على الخروج من قوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس فريضة ، فتكون الفريضة منصوبة على الخروج من قوله : { فإنْ كان لَهُ إخْوَةٌ فَلأُمّهِ السّدُسُ } كما تقول : هو لك هبة ، وهو لك صدقة مني عليك .

وأما قوله : { إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما } فإنه يعني جلّ ثناؤه : إن الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه أيها الناس ، فانتهوا إلى ما يأمركم يصلح لكم أموركم . { حَكِيما } يقول : لم يزل ذا حكمة في تدبيره وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض وفيما يقضي بينكم من الأحكام ، لا يدخل حكمه خلل ولا زلل ، لأن قضاء من لا يخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعقابة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (11)

{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ }

وقوله تعالى : { يوصيكم } يتضمن الفرض والوجوب ، كما تتضمنه لفظة أمر- كيف تصرفت ، وأما صيغة الأمر من غير اللفظة ففيها الخلاف الذي سيأتي موضعه إن شاء الله ، ونحو هذه الآية قوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ذلك وصاكم به }{[3871]} وقيل : نزلت هذه الآية بسبب بنات سعد بن الربيع وقال السدي : نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت ، وقيل : بسبب جابر بن عبد الله ، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ، قال جابر بن عبد الله ، وذكر أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب وقاتل العدو ، فنزلت الآيات تبييناً أن لكل أنثى وصغير حظه ، وروي عن ابن عباس : أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد ، والوصية للوالدين ، فنسخ ذلك بهذه الآيات ، و { مثل } مرتفع بالابتداء أو بالصفة ، تقديره حظ مثل حظ ، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «في أولادكم أن للذكر » وقوله تعالى : { فإن كن نساء } الآية الأولاد لفظ يجمع الذكران والإناث ، فلما أراد بهذه الآية أن يخص الإناث بذكر حكمهن أنث الفعل للمعنى ، ولو اتبع لفظ الأولاد لقال كانوا ، واسم - كان - مضمر ، وقال بعض نحويي البصرة : تقديره وإن كن المتروكات «نساء » وقوله : { فوق اثنتين } معناه : «اثنتين » فما فوقهما ، تقتضي ذلك قوة الكلام ، وأما الوقوف مع اللفظ فيسقط معه النص على الاثنتين ، ويثبت الثلثان لهما بالإجماع الذي مرت عليه الأمصار والأعصار ، ولم يحفظ فيه خلاف ، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس : أنه يرى لهما النصف . ويثبت أيضاً ذلك لهما بالقياس على الأختين المنصوص عليهما ، ويثبت لهما بالحديث الذي ذكره الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى للابنتين بالثلثين ، ومن قال : { فوق } زائدة واحتج بقوله تعالى : { فوق الأعناق } [ الأنفال : 12 ] هو الفصيح ، وليست { فوق } زائدة بل هي محكمة المعنى لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ ، كما قال دريد بن الصمة «اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم ، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال : وقد احتج لأخذهما الثلثين بغير هذا ، وكله معارض ، قال إسماعيل القاضي : إذا كانت البنت تأخذ مع أخيها الثلث إذا انفرد ، فأحرى أن تأخذ ذلك مع أختها قال غيره : وكما كان حكم الاثنين فما فوقهما من الإخوة للأم واحداً ، فكذلك البنات ، وقال النحاس : لغة أهل الحجاز وبني أسد ، الثلث والربع إلى العشر ، وقد قرأ الحسن ذلك كله بإسكان الأوسط ، وقرأه الأعرج ، ومذهب الزجاج : أنها لغة واحدة ، وأن سكون العين تخفيف ، وإذا أخذ بنات الصلب الثلثين ، فلا شيء بعد ذلك لبنات الابن ، إلا أن يكون معهن أخ لهن ، أو ابن أخ ، فيرد عليهن ، وعبد الله بن مسعود لا يرى لهن شيئاً ، وإن كان الأخ أو ابن الأخ ، ويرى المال كله للذكر وحده دونهن .

قوله تعالى :

{ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلَّ وَاحِدٍ مَّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأٌمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْدَيْنٍ }

قرا السبعة سوى نافع «واحدةً » بالنصب على خبر كان ، وقرأ نافع واحدة بالرفع على أن كان بمعنى وقع وحصر ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : «النُّصف » بضم النون ، وكذلك قرأه علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت في جميع القرآن ، وقوله : { ولد } يريد ذكراً أو أنثى ، واحداً أو جماعة للصلب أولولد ذكر ، فإن ذلك كيف وقع يجعل فرض الأب السدس ، وإن أخذ النصف في ميراثه فإنما يأخذه بالتعصيب ، وقوله تعالى : { فإن لم يكن له ولد } الآية ، المعنى : فإن لم يكن له ولد ، ولا ولد ولد ، ذكراً كان أو أثنى ، وقوله : { وورثه أبواه } تقتضي قوة الكلام أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره ، فعلى هذا يكون قوله { وورثه } حكماً لهما بالمال فإذا ذكر وحدّ بعد ذلك نصيب أحدهما أخذ النصيب الآخر ، كما تقول لرجلين : هذا المال بينكما ، ثم تقول لأحدهما ، أنت يا فلان لك منه الثلث ، فقد حددت للآخر منه الثلثين ، بنص كلامك ، وعلى أن فريضتهما خلت من الولد وغيره يجيء قول أكثر الناس : إن للأم مع الانفراد الثلث من المال كله ، فإن كان معهما زوج كان «للأم السدس » وهو الثلث بالإضافة إلى الأب ، وعلى أن الفريضة خلت من الولد فقط يجيء قول شريح وابن عباس : إن الفريضة إذا خلت من الولد أخذت «الأم الثلث » من المال كله مع الزوج ، وكان ما بقي للأب ويجيء على هذا ، قوله : { وورثه أبواه } . منفردين أو مع غيرهم . وقرأ حمزة والكسائي «فلأمه » بكسر الهمزة ، وهي لغة حكاها سيبويه ، وكذلك كسر الهمزة من قوله : { في بطون أمهاتكم }{[3872]} وفي { أمها }{[3873]} وفي { أم الكتاب }{[3874]} ، وهذا كله إذا وصلا إتباعاً للكسرة أو الياء التي قبل الهمزة ، وقرأ الباقون كل هذا بضم الهمزة ، وكسر همزة{[3875]} الميم من «امهاتكم » إتباعاً لكسر الهمزة ، ومتى لم يكن وصل وياء أو كسرة فالضم باتفاق ، وقوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } الإخوة يحطون الأم إلى السدس ولا يأخذونه ، أشقاء كانوا أو للأب أو للأم ، وقال من لا يعد قوله إلا في الشذوذ : إنهم يحطون ويأخذون ما يحطون لأنفسهم مع الأب ، روي عن ابن عباس ، وروي عنه خلافه مثل قول «السدس » الذي يحجبون «الأم » عنه ، قال قتادة : وإنما أخذه الأب دونهم ، لأنه يمونهم ، ويلي نكاحهم ، والنفقة عليهم ، هذا في الأغلب ، ومجمعون على أن أخوين فصاعداً يحجبون الأم عنه ، إلا ما روي عن عبد الله بن عباس ، أن الأخوين ، في حكم الواحد ، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة .

واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان ، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله ، فالمعنى يقتضي أنها جمع ، وذكر المفسرون أن العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية ، كما قال تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين }{[3876]} وكقوله في آية الخصم { إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا }{[3877]} وكقوله : { وأطراف النهار }{[3878]} واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية ، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان ، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك ، إذ معك في الأولى - يحكمان - وفي الثانية - إن هذا أخي ، وأيضاً فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم ، وقد يتسور مع الخصم وغيرهما فهم جماعة ، وأما { النهار } في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع ، ولا يحمل على التثنية ، لأن اللفظ مالك للمعنى وللبنية حق ، وذكر بعض من احتج لقول عبد الله بن عباس : أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد ، كبناء الإفراد وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد فلا يصح أن يدخل هذا على هذا ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي - «يوصي » - بإسناد الفعل إلى الموروث ، إذ قد تقدم له ذكر ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر ، «يوصَى » بفتح الصاد ببنية الفعل للمفعول الذي لم يسَّم فاعله ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «يوصَّى » بفتح الصاد وتشديدها ، وكل هذا في الموضعين ، وقرأ حفص عن عاصم في الأولى بالفتح ، وفي الثانية بالكسر ، وهذه الآية إنما قصد بها تقديم هذين الفعلين على الميراث ، ولم يقصد بها ترتيبهما في أنفسهما ، ولذلك تقدمت الوصية في اللفظ ، والدين مقدم على الوصية بإجماع ، والذي أقول في هذا : إنه قدم الوصية إذ هي أقل لزوماً من الدين ، اهتماماً بها وندباً إليها كما قال تعالى : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة }{[3879]} ، وأيضاً قدمها من جهة أنها مضمنها الوصية التي هي كاللازم يكون لكل ميت ، إذ قد حض الشرع عليها ، وأخر الدين لشذوذه ، وأنه قد يكون ولا يكون ، فبدأ بذكر الذي لا بد منه ، ثم عطف بالذي قد يقع أحياناً ، ويقوي هذا كون العطف ب { أو } ، ولو كان الدين راتباً لكان العطف بالواو ، وقدمت الوصية أيضاً إذ هي حظ مساكين وضعاف ، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة ، وهو صاحب حق له فيه ، كما قال عليه السلام ( إن لصاحب الحق مقالاً ){[3880]} وأجمع العلماء على أن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث ، واستحب كثير منهم أن لا يبلغ الثلث ، وأن يغض{[3881]} الناس إلى الربع .

{ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ }

{ آباؤكم وأبناؤكم } رفع الابتداء ، والخبر مضمر تقديره : هم المقسوم عليهم ، وهم المعطون ، وهذا عرض للحكمة في ذلك ، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة ، و { لا تدرون } عامل في الجملة بالمعنى ومعلق عن العمل في اللفظ بحسب المعمول فيه ، إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، و { نفعاً } ، قال مجاهد والسدي وابن سيرين : معناه في الدنيا ، أي إذا اضطر إلى ا نفاقهم للحاجة نحا إليه الزجاج ، وقد ينفقون دون اضطرار ، وقال ابن عباس والحسن ، في الآخرة ، أي بشفاعة الفاضل للمفضول ، وقال ابن زيد : فيهما ، واللفظ يقتضي ذلك ، و { فريضة } نصب على المصدر المؤكد ، إذ معنى { يوصيكم } يفرض عليكم ، وقال مكي وغيره : هي حال مؤكدة ، وذلك ضعيف ، والعامل { يوصيكم } ، و { كان } هي الناقصة ، قال سيبويه لما رأوا علماً وحكمة قيل لهم : إن الله لم يزل هكذا وصيغة - كان - لا تعطي إلا المضي ، ومن المعنى بعد يعلم أن الله تعالى كان كذلك ، وهو يكون ، لا من لفظ الآية ، وقال قوم : { كان } بمعنى وجد ووقع ، و { عليماً } حال ، وفي هذا ضعف ، ومن قال : { كان } زائدة فقوله خطأ .


[3871]:- من الآية (151) من سورة الأنعام.
[3872]:- من الآية (6) من سورة الزمر.
[3873]:- من الآية (59) من سورة القصص.
[3874]:- من الآية (4) من سورة الزخرف.
[3875]:- هكذا في الأصل. والعبارة بهذا قلقة. ولعلها (حمزة) بدلا من (همزة).
[3876]:- الآية (78) من سورة الأنبياء.
[3877]:- من الآيتين (21، 2) من سورة ص.
[3878]:- من الآية (130) من سورة طه.
[3879]:- من الآية (49) من سورة الكهف.
[3880]:- في قصة هذا الحديث أن رجلا كان له على رسول الله حق، فأغلظ في اقتضائه، فهم به أصحاب الرسول فقال لهم: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالا)... الحديث؛ انظر البخاري (هبة 23، 25، استعراض: 4، 13، وكالة:6)، ومسلم (مساقاة: 12)، والترمذي (بيوع: 73)، وابن ماجه (صدقات: 15، 17)، ومسند أحمد 2/ 416، 456، 6/ 28.
[3881]:- يغض: ينقص.