تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

يقول تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي : فأجابهم ربهم ، كما قال الشاعر :

وداعٍ دعا : يَا مَن يجيب إلى النّدى *** فَلم يَسْتجبْه عنْد ذاك مجيب{[6378]}

قال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة ، رجل من آل أم سلمة ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله [ عز وجل ]{[6379]} { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } إلى آخر الآية . وقالت الأنصار : هي أول ظعينة قَدمت علينا .

وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عُيَيْنة ، ثم قال : صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه{[6380]} .

وقد روى ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد ، عن أم سَلَمة قالت : آخر آية أنزلت هذه الآية : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } إلى آخرها . رواه ابن مَرْدُويَه .

ومعنى الآية : أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا - مما تقدم ذكره - فاستجاب لهم ربهم - عقب ذلك بفاء التعقيب ، كما قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ] .

وقوله : { أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } هذا تفسير للإجابة ، أي قال لهم مُجِيبًا{[6381]} لهم : أنه لا يضيع عمل عامل لديه ، بل يُوَفّي كل عامل بقسط عمله ، من ذكر أو أنثى .

وقوله : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } أي : جميعكم في ثوابي سَواء { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } أي : تركوا دار الشِّرك وأتَوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والخلان والإخوان والجيران ، { وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } أي : ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم ؛ ولهذا قال : { وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي } أي : إنما كان ذنْبُهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } [ الممتحنة : 1 ] . وقال تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] .

وقوله : { وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله ، فيُعْقَر جَواده ، ويعفَّر وجهه بدمه وترابه ، وقد ثبت في الصحيح أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت إن قُتلت في سبيل الله صابرا مُحْتَسبا مُقْبلا غير مُدبِر ، أيُكَفِّر الله عني خطاياي ؟ قال : " نعم " ثم قال : " كيف قلت ؟ " : فأعاد عليه{[6382]} ما قال ، فقال : " نعم ، إلا الدَّين ، قاله لي جبريل آنفًا " .

ولهذا قال تعالى : { لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب ، من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك ، مما لا عَيْنَ رَأتْ ، ولا أذن سَمِعت ، ولا خَطَر على قلب بَشَر .

وقوله : { ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } أضافه إليه ونسبه إليه لِيدل على أنه عظيم ؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جَزيلا كثيرًا ، كما قال الشاعر :

إن يُعَذب يَكُن غَرامًا وإن يُعْ *** طِ جَزيلا فإنَّه لا يُبَالي

وقوله : { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } أي : عنده حُسْن الجزاء لمن عمل صالحا .

قال ابن أبي حاتم : ذكر عن دُحَيم بن إبراهيم : حدثنا الوليد بن مسلم ، أخبرني حَرِيز{[6383]} بن عثمان : أن شداد بن أوس كان يقول : يا أيها الناس ، لا تَتهِموا الله في قضائه ، فإنه{[6384]} لا يبغي على مؤمن ، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يُحِب فليحْمَد الله ، وإذا أنزل{[6385]} به شيء مما يكره فَليَصْبر وليحتسب ، فإن الله عنده حسن الثواب .


[6378]:البيت في تفسير الطبري (7/488) وهو لكعب بن سعد الغنوي.
[6379]:زيادة من أ.
[6380]:سنن سعيد بن منصور برقم (552) والمستدرك (2/300) ورواه عبد الرزاق في تفسيره (1/144) ومن طريقه ابن جرير في تفسيره (7/488) ولم يذكر قوله: "وقالت الأنصار إلى آخره" من طريق سفيان بنحوه.
[6381]:في جـ، ر، أ، و: "مخبرا".
[6382]:في أ، و: "قال: فأعاد عليه".
[6383]:في جـ، ر: "جرير".
[6384]:في أ: "فإن الله"، وفي و: "فالله".
[6385]:في جـ، ر، أ: "نزل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلاُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثّوَابِ } .

يعني تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف الله عنهم أنهم دعوا به ربهم ، بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ذكرا كان العامل أو أنثى ، وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الاَية .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، تذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر ؟ فنزلت : { أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } . . . الاَية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : قالت أم سلمة : يا رسول الله لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء ! فأنزل الله تبارك وتعالى : { فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } .

حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلمة ، عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ! فأنزل الله تعالى : { فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } .

وقيل : فاستجاب لهم ، بمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر :

وَدَاعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النّدَى *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

بمعنى : فلم يجبه عند ذاك مجيب .

وأدخلت «من » في قوله : { مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } على الترجمة والتفسير عن قوله «منكم » ، بمعنى : لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث وليست «من » هذه بالتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد ، لأنها دخلت بمعنى لا يصلح الكلام إلا به . وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع ، كما تدخل في قولهم : «قد كان من حديث » قال : «ومن » ههنا أحسن ، لأن النهي قد دخل في قوله : لا أضيع . وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال : لا تدخل «من » وتخرج إلا في موضع الجحد¹ وقال : قوله : { لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ } لم يدركه الجحد ، لأنك لا تقول : لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت فيدخل ، ولا لأنه لم ينله الجحد ، ولكن «مِنْ » مفسرة .

وأما قوله : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } فإنه يعني : بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، مِنْ بعض ، في النصرة والمسألة والدين ، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى .

القول في تأويل قوله تعالى : { فالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا ولأُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ ثَوَابا مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثّوَابِ } .

يعني بقوله جل ثناؤه : فالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله ، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، وأخرجوا من ديارهم ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة ، وأوذوا في سبيلي ، يعني : وأوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه ، مخلصين له الدين ، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها¹ وقتلوا ، يعني : وقتلوا في سبيل الله وقاتلوا فيها ، لأكفرن عنهم سيئاتهم ، يعني : لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم ، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ثوابها ، يعني : جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله¹ من عند الله : يعني : من قِبَل الله لهم¹ والله عنده حسن الثواب ، يعني : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . كما :

حدثنا عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث : أن أبا عشانة المعافري ، حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : «إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين ، الذين تتقى بهم المكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة ، فتأتي بزخرفها وزينتها ، فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي ، ادخلوا الجنة ، فيدخلونها بغير عذاب ، ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ، ونقدّس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ، فيقول الرب جل ثناؤه : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي ، فتدخل الملائكة عليهم من كل باب : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ } » .

واختلفت القراء في قراءة قوله : { وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا } فقرأه بعضهم : «وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا » بالتخفيف ، بمعنى أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين وقرأ ذلك آخرون : «وَقاتَلُوا وَقُتّلُوا » بتشديد قتّلوا ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين ، وقتلهم المشركون بعضا بعد بعض وقتلاً بعد قتل . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين : «وَقاتَلُوا وَقَتَلُوا » بالتخفيف ، بمعنى أنهم قاتلوا المشركين وقتلوا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : { وَقُتِلُوا } بالتخفيف { وَقاتَلُوا } بمعنى : أن بعضهم قُتل ، وقاتل من بقي منهم .

والقراءة التي لا أستجيز أن أعدوها إحدى هاتين القراءتين ، وهي : «وَقاتَلُوا وقَتَلُوا » بالتخفيف ، أو { وقُتِلُوا } بالتخفيف { وَقاتَلُوا } لأنها القراءة المنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ . وبأي هاتين القراءتين التي ذكرت أني لا أستجيز أن أعدوهما قرأ قارىء فمصيب في ذلك الصواب من القراءة ، لاستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قراء الإسلام مع اتفاق معنييهما .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فاستجاب لهم ربهم } إلى طلبتهم ، وهو أخص من أجاب ويعدي بنفسه وباللام . { أني لا أضيع عمل عامل منكم } أي بأني لا أضيع . وقرئ بالكسر على إرادة القول . { من ذكر أو أنثى } بيان عامل . { بعضكم من بعض } لأن الذكر ، من الأنثى والأنثى من الذكر ، أو لأنهما من أصل واحد ، أو لفرط الاتصال والاتحاد ، أو للاجتماع والاتفاق في الدين . وهي جملة معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال . روي ( أن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء ) فنزلت { فالذين هاجروا } إلخ ، تفصيل لأعمال العمال وما أعد لهم من الثواب على سبيل المدح والتعظيم ، والمعنى فالذين هاجروا الشرك أو الأوطان والعشائر للدين . { وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي } بسبب إيمانهم بالله ومن أجله { وقاتلوا } الكفار . { وقتلوا } في الجهاد . وقرأ حمزة والكسائي بالعكس لأن الواو لا توجب ترتيبا والثاني أفضل . أو لأن المراد لما قتل منهم قوم قاتل الباقون ولم يضعفوا . وشدد ابن كثير وابن عامر { قتلوا } للتكثير . { لأكفرن عنهم سيئاتهم } لأمحونها . { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله } أي أثيبهم بذلك إثابة من عند الله تفضلا منه ، فهو مصدر مؤكد . { والله عنده حسن الثواب } على الطاعات قادر عليه .