تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

يقول تعالى ممتنا على عباده في إنجائه المضطرين منهم { مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي : الحائرين الواقعين في المهامه البرية ، وفي اللجج البحرية إذا هاجت الريح{[10755]} العاصفة ، فحينئذ يفردون الدعاء له وحده لا شريك له ، كما قال : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ [ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا ] }{[10756]} [ الإسراء : 67 ] وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }{[10757]} [ يونس : 22 ] وقال تعالى : { أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 63 ] .

وقال في هذه الآية الكريمة : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } أي : جهرا وسرا { لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ } أي : من هذه الضائقة { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } أي : بعدها ،


[10755]:في د: "الرياح".
[10756]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
[10757]:في م، أ: "مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً لّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هََذِهِ لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الداعين لك إلى عبادة أوثانهم : من الذين ينجيكم من ظلمات البرّ إذا ضللتم فيه فتحريتم فأظلم عليكم الهدى والمحجة ؟ ومن ظلمات البحر إذا ركبتموه فأخطأتم فيه المحجة فأظلم عليكم فيه السبيل فلا تهتدون له ، غير الله الذي مفزعكم حينئذ بالدعاء تضرّعا منكم إليه واستكانة جهرا وخفية ؟ يقول : وإخفاء للدعاء أحيانا ، وإعلانا وإظهارا ، تقولون : لَئِن أنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ يا ربّ : أي من هذه الظلمات التي نحن فيها ، لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرينَ يقول : لنكوننّ ممن يوحدك بالشكر ويخلص لك العبادة دون من كنا نُشركه معك في عبادتك . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ مَنْ يُنَجّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرّعا وَخُفْيَةً يقوله : إذا أضلّ الرجل الطريق دعا الله لئن أنجينا من هذه لنكوننّ من الشاكرين .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ مَنْ يُنَجّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ يقول : من كرب البرّ والبحر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

{ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } من شدائدهما ، استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهم في الهول وإبطال الإبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب ، أو من الخسف في البر والغرق في البحر . وقرأ يعقوب { ينجيكم } بالتخفيف والمعنى واحد . { تدعونه تضرعا وخفية } معلنين ومسرين ، أو إعلانا وإسرارا وقرأ أبو بكر هنا وفي " الأعراف " { وخيفة } بالكسر وقرئ { خيفة } . { لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا . وقرأ الكوفيون " لئن أنجانا " ليوافق قوله { تدعونه } وهذه إشارة إلى الظلمة .