تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

الآية 63 وقوله تعالى : { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } ليس هذا على الأمر له ، ولكن على المحاجة كقوله تعالى : { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل } [ الروم : 42 ] ليس على الأمر بالسير ولكن على الاعتبار بأولئك الذين كانوا من قبل والنظر في آثارهم وإعلامهم كيف صاروا بتكذيبهم الرسل ؟ وماذا أصابهم بذلك ؟ فعلى ذلك هذا فيه الأمر بالمحاجة معهم في آلهتهم أنه { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } آلهتكم التي تعبدون من دون الله ، وتشركونها في ألوهيته وربوبيته ؟ أم الله الذي خلقكم ؟ فسمرهم{[7193]} حتى قالوا : هو الذي ينجينا من ذلك .

فقال تعالى : { قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب } [ الأنعام : 64 ] فإذا كان هو الذي ينجيكم من هذا ، لا آلهتكم التي تعبدونها ، فكذلك هو الذي ينجيكم من كل كرب ومن كل شدة .

ويحتمل قوله تعالى : { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } قوله{[7194]} : { ومن أظلم } [ الأنعام : 21 و . . . ] أي لا أحد أظلم ؛ تخافون على آلهتكم الهلاك كما تخافون على أنفسكم ، فلا أحد سواه ينجيكم من ذلك ومن كل كرب .

قال أبو بكر الكيساني : هم عرفوا في الدنيا أنه هو الذي ينجيهم في الآخرة ، ويهلكهم . وهم{[7195]} هكذا ؛ عرفوا الله في الدنيا ، ولم يعرفوه في الآخرة .

ثم اختلف في ظلمات البر والبحر : قال بعضهم : الظلمات هي الشدائد والكروب التي تصيبهم بالسلوك في البر والبحر ، وقال آخرون : الظلمات [ هي الأسفار ]{[7196]} لأن أسفار البحار والمغاور إنما تقطع بأعلام السماء ؛ فإذا أظلمت{[7197]} السماء بقوا متحيرين لا يعرفون إلى أي ناحية يسلكون ، ومن أي طريق يأخذون . فعند ذلك يدعون الله { تضرعا وخفية } .

قال الحسن : التضرع هو ما يرفع به الصوت ، والخفية هي ما يدعى سرا ، وهو من الإخفاء . وفي حرف ابن مسعود : تدعونه تضرعا وخيفة{[7198]} ؛ وهي من الخوف . قال الكلبي : في خفض وسكون وتضرع إلى الله .

وقوله تعالى : { لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } قال أبو بكر : قوله تعالى : { لنكونن من الشاكرين } أي لا نوجه الشكر إلى غيرك . والشكر ههنا هو التوحيد ؛ أي لئن أنجيتنا لنكونن من الموحدين لك من بعد ؛ لأنهم كانوا يوحدون الله في ذلك الوقت . لكنهم إذا نجوا من ذلك أشركوا غيره .

ألا ترى أنه قال : { قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون } ؟ [ الأنعام : 64 ] .


[7193]:- في الأصل وم: فسحرهم.
[7194]:- في الأصل وم: كقوله.
[7195]:- في الأصل وم، وهو.
[7196]:- ساقطة من الأصل وم.
[7197]:- في الأصل وم: أظلم.
[7198]:- في الأصل وم: وخفية. انظر معجم القراءات القرآنية ج 2/ 278.