نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

ولما تعرف بأفعاله وشؤونه حتى اتضحت وحدانيته وثبتت فردانيته ، ذكرهم أحوالهم في{[29900]} إقرار توحيده{[29901]} وقت الشدائد والرجوع عن ذلك عند الإنجاء منها ، فكانوا كمن طلب من شخص شيئاً وأكد له الميثاق على الشكر ، فلما أحسن إليه بإعطائه سؤله نقض عهده وبالغ في الكفر{[29902]} ، وذلك عندهم في غاية من القبائح لا توصف{[29903]} فقال : { قل } أي لهؤلاء الذين يدعون محاسن الأعمال { من ينجيكم } أي كثيراً وعظيماً { من ظلمات البر والبحر } أي حيث لا هداية لكم بنجم ولا جبل ولا غيرهما ، أو عبر بالظلمات عن الكروب{[29904]} التي بلغت شدتها إلى أن صاحبها يكون كأنه في أشد ظلام ، فهو بحيث{[29905]} أنه لا يهتدي فيها إلى وجه حيلة بنوع وسيلة { تدعونه } أي على وجه الإخلاص له والتوحيد والإعراض عن كل شرك{[29906]} وشريك لزوال الحظوظ عند إحاطة الرعب واستيلائه على مجامع القلب ، فلا يبقى إلا الفطرة السليمة ؛ قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي : { تضرعاً } أي مظهرين الضراعة ، وهي شدة الفقر ، وحقيقته{[29907]} الخشوع { و } قوله : { خفية } أي تخفون في أنفسكم مثل ما تظهرون ؛ قال شمر{[29908]} : يقال : ضرع له وضرع وتضرع أي تخشع{[29909]} وذل ؛ ثم قال : وضرع الرجل يضرع ضرعا- إذا استكان وذل ، وهو ضارع بيّن الضراعة ، وهؤلاء قوم ضرع ، أي أذلاء ، وهم ضرعة أي متضرعون ، والتضرع إلى الله : التخشع إليه والتذلل ، وإذا كان الرجل مختل الجسم قلت : إنه لضارع الجسم بيّن الضروع ، وفي الذل بين الضراعة - انتهى .

ولما بين وصفهم{[29910]} وقت الدعاء ، بين قولهم إذ ذاك فقال{[29911]} : { لئن أنجيتنا{[29912]} من هذه } فأكدوا وخصوا وبينوا{[29913]} غاية البيان { لنكونن من الشاكرين * } أي العريقين في الشكر ؛


[29900]:في ظ: الإفراد بتوحيده.
[29901]:في ظ: الإفراد بتوحيده.
[29902]:في ظ: الفكر.
[29903]:في ظ: لا يوف.
[29904]:من ظ، وفي الأصل: الكرب.
[29905]:زيد من ظ.
[29906]:من ظ، وفي الأصل: شريك.
[29907]:في ظ: حقيقة.
[29908]:في ظ: سمر- كذا، والصواب ما في الأصل، وهو شمر بن حمدويه الهروي- راجع معجم المؤلفين 4/306.
[29909]:من ظ، وفي الأصل: يخشع.
[29910]:في ظ: صفتهم.
[29911]:سقط من ظ.
[29912]:وقرأ أهل الكوفة: أنجانا- بلفظ الغيبة مراعاة لتدعونه دون حكاية خطابهم في حالة الدعاء- راجع روح المعاني 2/496.
[29913]:سقط من ظ.