فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةٗ لَّئِنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (63)

{ قل } توبيخا وتقديرا لهم بانحطاط شركائهم عن رتبة الآلهية { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } المراد بظلماتهما شدائدهما الهائلة التي تبطل الحواس وتدهش العقول ولذلك استعير لهما الظلمات المبطلة لحاسة البصر ، قال النحاس : والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كوكب أي اشتدت ظلمته حتى صار كالليل في ظلمته وفي ظهور الكواكب فيه لأنها لا تظهر إلا في الظلمة وقيل حمله على الحقيقة أولى .

فظلمة البر هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى طريق الصواب . وظلمة البحر ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضا الخوف الشديد من الوقوع في الهلاك ، فالمقصود أنه عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله تعالى لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد وهو المراد من قوله : { تدعونه تضرعا وخفية } أي حال دعائكم له دعاء تضرع وخفية أو متضرعين ومخفين والمراد بالتضرع هنا دعاء الجهر قائلين { لئن أنجانا من هذه } الشدة التي نزلت بما وهي الظلمات المذكورة { لنكونن من الشاكرين } له على ما أنعم به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد ، قال ابن عباس : أي من كرب البر والبحر ، وإذا ضل الرجل الطريق دعا الله لئن أنجانا الآية .