تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

وقوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } أي : هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق ؟ ! كقوله تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [ الأنعام : 122 ] ؛ ولهذا قال : { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } أي : فلا تلين عند ذكره ، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم ، { أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىَ نُورٍ مّن رّبّهِ فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللّهِ أُوْلََئِكَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } :

يقول تعالى ذكره : أفمن فَسَح الله قلبه لمعرفته ، والإقرار بوحدانيته ، والإذعان لربوبيته ، والخضوع لطاعته فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ يقول : فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين ، بتنوير الحقّ في قلبه ، فهو لذلك لأمر الله متبع ، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه ، كمن أقسى الله قلبه ، وأخلاه من ذكره ، وضيّقه عن استماع الحق ، واتّباع الهدى ، والعمل بالصواب ؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه ، وجوابَ الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام ، إذ ذكر أحد الصنفين ، وجعل مكان ذكر الصنف الاَخر الخبر عنه بقوله : فَوَيْلٌ للْقاسِيَةِ قُلُوبُهمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ للإسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ يعني : كتاب الله ، هو المؤمن به يأخذ ، وإليه ينتهي .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ للإسْلامِ قال : وسع صدره للإسلام ، والنور : الهُدَى .

حُدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ للإسْلامِ قال : ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه .

قوله : فَوَيْلٌ للقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : فويل للذين جَفَت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت ، يعني عن القرآن الذي أنزله تعالى ذكره ، مذكّرا به عباده ، فلم يؤمن به ، ولم يصدّق بما فيه . وقيل : مِنْ ذِكْرِ اللّهِ والمعنى : عن ذكر الله ، فوضعت «من » مكان «عن » ، كما يقال في الكلام : أتخمت من طعام أكلته ، وعن طعام أكلته بمعنى واحد .

وقوله : أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره : هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مُبين ، لمن تأمّله وتدبّره بفهم أنه في ضلال عن الحقّ جائر .