قوله : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً )( {[6827]} ) الآية [ 211 ] .
الأمة( {[6828]} ) هنا في قول ابن عباس وعكرمة : من كان بين آدم ونوح ، وهم عشرة قرون ، وكانوا على دين من الحق ، ثم اختلفوا بعد ذلك ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . قال ذلك ابن عباس وغيره( {[6829]} ) . وأول من بعث الله نوحاً( {[6830]} ) عليه السلام .
والأمة هنا معناها الأمم ، ودل الواحد على الجماعة . وأصل الأمة( {[6831]} ) الجماعة [ تجتمع على دين ]( {[6832]} ) واحد ، قال( {[6833]} ) تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمُ أُمَّةً وَاحِدَةً )( {[6834]} ) أي على دين واحد( {[6835]} ) .
وقيل : معناه : كان آدم وحواء عليهما السلام أمة واحدة( {[6836]} ) في الطاعة . وسميا بالجماعة لأنهما أصل لها( {[6837]} ) .
وقال أبي بن( {[6838]} ) كعب : " معناه كان جميع( {[6839]} ) الخلق أمة واحدة إذ استخرجهم من [ صلب آدم ]( {[6840]} ) وقال : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى )( {[6841]} ) . فأقروا كلهم فكانوا( {[6842]} ) كلهم أمة واحدة مسلمين ، ثم اختلفوا/إذ( {[6843]} ) ظهروا إلى الدنيا فبعث الله النبيين مبشرين( {[6844]} ) من أقام على عهده بالجنة . ومنذرين من خالف ما عهدَهُ إليه بالنار " ( {[6845]} ) .
وقال ابن زيد عن أبيه " لم يكن الناس أمة واحدة قط ، إلا حين أخرجهم الله من ظهر آدم صلى الله عليه وسلم " ( {[6846]} ) .
وقيل : الناس هنا( {[6847]} ) : نوح ومن كان معه في السفينة( {[6848]} ) .
وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : " كانوا على الكفر فبعث الله النبيين " ( {[6849]} ) .
قوله : ( وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الذِينَ أُوتُوهُ ) [ 211 ] .
أي لم يختلف في التوراة( {[6850]} ) إلا الذين نزلت عليهم( {[6851]} ) .
( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ ) الآية [ 211 ] .
أي الحجج( {[6852]} ) أنه من عند الله ، فكان خلافهم تعمداً للبغي بينهم لحب الدنيا وملكها والتنافس فيها فبغى بعضهم على بعض ، وقتل بعضهم بعضاً على ذلك( {[6853]} ) .
وقال زيد بن أسلم : " اختلفوا في يوم الجمعة ؛ فاتخذ اليهود السبت ، /والنصارى الأحد ، فهدى الله أمة محمد( {[6854]} ) ليوم الجمعة . واختلفوا في القبلة ؛ فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، وهدى الله أمة محمد صلى الله عليه [ وسلم ]( {[6855]} ) للقبلة( {[6856]} ) . واختلفوا في الصلاة ؛ فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي( {[6857]} ) ويتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد( {[6858]} ) للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ؛ فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد( {[6859]} ) للحق( {[6860]} ) من ذلك( {[6861]} ) . واختلفوا في إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً ، وجعله الله حنيفاً مسلماً ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم( {[6862]} ) للحق من ذلك ، واختلفوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ؛ فكفرت به اليهود ، وقالوا في أُمِّهِ( {[6863]} ) بهتاناً عظيماً ، وجعلته( {[6864]} ) النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من( {[6865]} ) ذلك " ( {[6866]} ) .
والبغي : الاعتداء والطغيان ، يقال( {[6867]} ) للبحر إذا فاض وكثر ماؤه : " بَغَى البَحْرُ " أي طغى( {[6868]} ) . وتقدير( {[6869]} ) الكلام : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغياً بينهم من بعد ما جاءتهم البينات( {[6870]} ) .
وقد أنكر هذا قوم لأن المصدر لا يتقدم عليه ما تعلق به ، وهذا الاعتراض لا يلزم لأن " من " متعلقة " بأُوتُوهُ " لا " بالبغي " ( {[6871]} ) .
ومعنى : ( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ ) أي الكتب .
قوله : ( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) [ 211 ] .
أي ليحكم الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه( {[6872]} ) بما فيه .
وقرأ الجحدري( {[6873]} ) . " لِنَحْكُمَ " بالنون .
وقال أبو إسحاق : " معنى ( وَمَا/اخْتَلَفَ فِيهِ ) . أي في النبي محمد( {[6874]} ) صلى الله عليه وسلم ( إِلاَّ الذِينَ أُوتُوهُ ) ، أي أعطوا علم نبوته ، فعلوا ذلك للبغي( {[6875]} ) .
قوله : ( فَهَدَى اللَّهُ الذِينَ ءَامَنُوا ) [ 211 ] .
أي هداهم الله لمعرفة( {[6876]} ) ما اختلفوا فيه من الحق إذ هداهم للإيمان بما اختلف فيه الأولون من الحق .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نَحْنُ الآخِرُونَ( {[6877]} ) الأَوَّلُون( {[6878]} )/يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ نَحْنُ أَوَّلُ/النَّاسِ دُخُولاً الجَنَّة بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وأُوتِينَاهُ( {[6879]} ) مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَدَانَا اللهُ لِمَا/اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ " فَهَذَا اليَوْم الذِي هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَالنّاس لَنَا( {[6880]} ) فِيهِ تَبَعٌ ، غداً( {[6881]} ) لليهود ، وبعد غَدٍ( {[6882]} ) لِلنَّصَارى " ( {[6883]} ) .
وهذا الاختلاف الذي هدى الله المؤمنين إليه ، ووفقهم لإصابته وهي الجمعة ضلوا عنها ، وقد فرضت عليهم كما فرضت علينا فجعلوها السبت ، وجعلها النصارى الأحد .
وقال ابن زيد( {[6884]} ) : " اختلفوا في الصلاة ؛ فمنهم من صلى إلى المشرق ، ومنهم من صلى إلى بيت( {[6885]} ) المقدس ، فهدانا الله إلى الكعبة . واختلفوا في الصيام ؛ فمنهم من يصوم بعض يوم ، ومنهم من/يصوم بعض ليلة( {[6886]} ) ، فهدانا الله له . واختلفوا في الجمعة ؛ فأخذ اليهود السبت ، وأخذ النصارى الأحد ، فهدانا الله له( {[6887]} ) . واختلفوا في إبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً ، فهدانا الله إلى أنه كان حنيفاً مسلماً ، وكذلك اختلفوا في عيسى صلى الله عليه وسلم ؛ فهدانا الله لجميع ذلك على الحق( {[6888]} ) بمحمد صلى الله عليه وسلم " ( {[6889]} ) .
وهذا عند أكثر أهل العلم فيه قلب ، والمعنى : فهدى الله الذين( {[6890]} ) آمنوا للحق مما اختلفوا فيه ، كما قال :
كَانَ الزِّنَا فَرِيضَةَ الرَّجْمِ( {[6891]} ) .
فالهداية إنما هي( {[6892]} ) للحق ، ولم( {[6893]} ) يهدهم للاختلاف( {[6894]} ) .
وظاهر الآية يعطي الهداية للاختلاف لأنه قال : ( فَهَدَى اللَّهُ الذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ( {[6895]} ) ) . ولكن الكلام فيه قلب أتى على لغة العرب وعادتها في كلامها . وهذا قول الطبري واختياره( {[6896]} ) .
وقد قيل : إن المعنى : إن الله هداهم للاختلاف أنه( {[6897]} ) باطل ، فآمنوا بما كفر( {[6898]} ) به غيرهم .