ثم قال تعالى : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت }{[46554]}[ 2 ] .
أتت مرضعة بالهاء ، لجريانها على الفعل ويجوز مرضع ، كما قال : امرأة حائض وطامث وطالق . والأصل : الهاء{[46555]} . ولكن جرى عند سيبويه على معنى شيء حائض وطامث .
وقال الفراء{[46556]} : إنما قالوا : حائض وطامث ، لأن المذكر لا حظ له في هذا الوصف . فلم يحتج إلى هاء في المؤنث . وقالوا{[46557]} : قائم وقائمة ، فأتوا بالهاء في المؤنث لأنه يقع للمؤنث والمذكر وهذا القول ينتقض على الفراء لأنهم{[46558]} قالوا ناقة ضامر ، وبعير ضامر{[46559]} ، وناقة ساغل وبعير{[46560]} ساغل ، ورجل عانس{[46561]} وامرأة عانس{[46562]} فلم يدخلوا الهاء في المؤنث ، وقد شاركه المذكر في الفعل . وحذف الهاء عند سيبويه في هذا على أصله على تقديره بشيء عانس{[46563]} وساغل ونحوه ، وينتقض على الفراء قوله بقولهم : حاضت الجارية وطلقت المرأة . فلو كان حرف الهاء من أجل أنه لا يشترك فيه المذكر مع المؤنث ، لم تدخل علامة التأنيث في حاضت وطمثت وينقض أيضا قوله في قولهم رجل بالغ وامرأة بالغ ، ورجل آثم وامرأة آثم . ومعنى تذهل : تنسى وتترك{[46564]} ولدها من هول ثقل ما ترى وتضع الحامل حملها قبل بلوغ وقته . { وترى الناس سكارى } من الخوف { وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } .
قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجري فقطرت دموعي على خده ، فاستيقظ فقال : " ما يبكيك " ؟ فقلت : ذكرت القيامة وهولها . فهل يذكرون أهلهم{[46565]} يا رسول الله ؟ فقال : " يا عائشة ثلاثة مواطن لا يذكر فيها{[46566]} أحد إلا نفسه ، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل . وعند المصحف حتى يعلم ما في صحيفته وعند الصراط حتى يجاوزه{[46567]} " .
وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت هاتان الآيتان على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير فكف ثم قرأها على الناس ثلاث مرات ثم قال : " يا أيها الناس ، أتدرون أي يوم{[46568]} ذلك " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه اليوم الذي يقول الله فيه لآدم : ابعث بعث النار من ولدك . فيقول : أي رب ، من كل كم ؟ فيقول : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيسكر الكبير يومئذ{[46569]} من غير شراب ، ويشيب الصغير " ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل{[46570]} ونزل الناس ثم راحوا{[46571]} إلى نبي الله ، فقالوا : يا رسول الله ، ما سمعنا شيئا قط أوجع لقلوبنا ولا{[46572]} أشد علينا من شيء حدثتنا به اليوم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا فإني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، فإن الأمم عرضت علي فرأيت النبي يأتي في الثمانية رهط ويأتي النبي في الأربعة ويأتي الآخر في الاثنين ، حتى رأيت النبي وليس يأتي معه أحد من أمته ، حتى رأيت أمة أعجبني{[46573]} كثرتها فقلت أي رب ، أمتي هذه{[46574]} ؟ فقال : لا ، بل هذا موسى صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، ثم رأيت أمة أخرى أعجبني كثرتها ، فقلت : أي رب ، أمتي هذه ؟ قال : لا . بل هذا يونس ومن تبعه . ثم رأيت أمة أخرى أعجبني كثرتها فقلت : أي رب ، أمتي هذه ؟ قال : لا ، بل هذا عيسى ومن تبعه . فقلت : أي رب ، فأين أمتي ؟ قال لي : انظر{[46575]} ، فنظرت قبل طريق مكة فإذا أنا بناس كثير ، ثم قال : انظر : فنظرت قبل طريق الشام ، فإذا أنا بناس كثير{[46576]} ثم قال : انظر ، فنظرت قبل طريق العراق ، فإذا أنا بناس كثير ، ثم قال : انظر ، فنظرت تحتي ، فإذا كل شيء ينتغش{[46577]} من الناس من كثرتهم فقلت : أي رب{[46578]} ، قد رضيت . قال : فإن مع هذا سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذابه ، فقام عكاشة بن محصن{[46579]} الأسدي أخو بني غنم فقال : يا رسول الله ، أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : جعلك الله منهم فقام رجل آخر من الأنصار فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها{[46580]} عكاشة .
وقوله : { وترى الناس سكارى }[ 2 ] .
رجع من مخاطبة الجماعة من الناس إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاز أن يخرج عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الجماعة في قوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.